الحرب لا تدمر المدن والقرى والمنازل فحسب، ولكنها تدمر النفسيات والبشرية والتاريخ والثقافة والأخلاق، الحرب أبشع ما يخلقه الإنسان في حياته، لأنها مأساة لا يتخطاها الإنسان إلا بالموت والفقد والمرض والبؤس والقهر، فهل الإنسان ميزه الله بالعقل ليكون هكذا أم كرمه بالعقل، ليميز بين الخير والشر، وبين الأمان والضياع والتشتت، ولا يدري الظالم أن الله في النهاية سيسقيه من نفس الكأس ولو بعد حين.

ولكن الله أيضاً له حكمة في خلق البشر بقدرات ومستويات متفاوتة، ومختلفة في التفكير، ليرى البشر أيضاً الاختلاف في المصير، وأن قوانين الحياة ثابتة في دستوره القرآن الكريم، ما ذنب البشر في أن يعيشوا كل هذا الضجيج والدخان والهدم والانهيار، الذي يزلزل كيان الأسر والنساء والأطفال، الذين يحتاجون الأمان، ليعيشوا مستويات أعمارهم بشكل سليم لا يطول شيئاً من نفسياتهم، أين تلك الإنسانية.

والتي قد تردت وأذهبت تاريخ الدول وثقافاتهم وحضاراتهم، لتصبح أرضاً خراباً، حتى الطير هجرها، لتصبح مخلفات كئيبة، فهل تاريخ الدول وحضاراتهم، الذي درسه طلاب المدارس زلزل كيانهم، وبالتالي تغيرت المناهج الدراسية بتغير الأحداث.

وأصبح ما بناه الإنسان القديم من حضارة، وما شيّده من عمارة رماداً يتطاير، وهل الإنسان قادر على تأسيس حضارة جديدة، يعيشها الأجيال القادمة، أم ستسرد حضارات أجدادهم في قصص الخيال، أو في حكايات عالمية جديدة، ليتعرفوا على بشاعة البشرية، نتصفح يومياً وسائل الإعلام لتعكير صفو الحياة.

وكل الفنون تتذوق تلك المآسي على خشبات المسرح بآهات، يضربون بكفوفهم الأرض ليوصّلوا الرسالة، وريشة الفنان، التي تركز على ألوان محدودة، الأسود ودرجاته، والرمادي وعتمته، وحتى الخيال لا يدرك ما يحدث، وفي أعماق الحدث شيء لا يستوعبه العقل، والقلب يسمع ويدمي قبل العين، أين حقوق الطفولة وحقوق المرأة، وحق الرجل الذي يسعى لتأسيس حياة كريمة لأسرته، ليتذوق مرارات نفسه وأسرته ووطنه، والذي تجرد من كل شيء، ليصبح له الموت راحة من كل شيء.