وصلت سوريا إلى أعمق مراحل يأسها حتى الآن، بعد ثلاث سنوات من الحرب الأهلية، بحصيلة وفيات متصاعدة جراء احتدام القتال، وموجات جديدة من اللاجئين، وتهديدات بزيادة إمدادات الأسلحة لكل من المعارضة وقوات النظام، وتعليق عملية التفاوض دون تحديد يوم لاستئنافها. وكان مبعوث الأمم المتحدة المحنك، الأخضر الإبراهيمي، محقا في اعتذاره للشعب السوري عن فشل المؤتمر، وهو أسلوب غير مباشر لإلقاء اللوم على كلا الجانبين وداعميهم الدوليين، لتخييب أمل مواطني سوريا.
ومع ذلك، فإن جميع الأمور ليست قاتمة. ففي حين ذهب فريق الحكومة لمؤتمر جنيف عازما على إجراء محادثات حول إيقاف الإرهاب فحسب ـ وعنوا بذلك جميع المعارضة المسلحة ـ ورغب الثوار، فقط، في صيغة لتنحية الرئيس السوري بشار الأسد، يبدو أن الأخضر الإبراهيمي قد حقق توافق آراء على أن هنالك قضيتين أساسيتين؛ الأولى هي تحقيق عمليات وقف إطلاق نار محلي، ما يؤدي تدريجيا لوقف القتال في البلاد، والقضية الأخرى هي تشكيل حكومة انتقالية.
لقد أخفقت محادثات جنيف في التوصل إلى اتفاق حول ترتيب للتعامل مع القضايا، أو ما إذا كان ينبغي تشكيل فرق أصغر لمناقشة كل قضية بشكل متزامن. لكن الجانبين المتحاربين في سوريا كانا، معاً، في غرفة واحدة، وللمرة الأولى، وكان لا بد أن يكون الأمل، خلال وقفة التأمل التي دعا إليها الأخضر الإبراهيمي، بأن يلتزم كل جانب بالعودة للتعامل مع القضيتين كلتيهما معاً.
من شأن الضغوط الأميركية والروسية أن تكون أساسية. فبدلا من محاولة تسجيل نقاط دعائية أو إلقاء اللوم على الآخر من ناحية فقدان مؤتمر جنيف للتقدم، تحتاج كل من واشنطن وموسكو إلى التحرك على أساس الأرضية المشتركة بينهما، فكلاهما لا ترغبان في الانهيار التام لمؤسسات سوريا، أو تقاليدها العلمانية متعددة الثقافات، ولا تريدان انتصار المتشددين الإسلاميين المتحالفين مع المتطرفين، ولا حدوث سفك دماء طائفي في دمشق، على غرار ما حدث في بغداد قبل ثماني سنوات.
إنه لمن الضروري رسم مخطط لتحالف سوري، بحيث ينضم نشطاء المعارضة العلمانيون، الذين بدأوا الثورة ضد الرئيس الأسد عام 2011، مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ضد المتشددين الأجانب.
ينتقد البعض نظام الرئيس الأسد لعدم إرساله مسؤوليه العسكريين والأمنيين البارزين إلى مؤتمر جنيف، ويرون ذلك كإشارة إلى أن الأسد غير مستعد لقبول تشكيل حكومة انتقالية.
ويبدو هذا صحيحا، إلا أنه قد يتعين إيجاد المزيد من قنوات الاتصال الحذرة، من أجل إشراك أصحاب المناصب العليا في نظام الأسد، من غير الذين من المرجح ألا يقبلوا بحل وسط. على الرغم من تعثر مؤتمر جنيف، إلا أنه يمكن رؤية إطار عمل لتحقيق اتفاق سياسي نهائي. وتعد الأولوية حاليا لتفادي لعبة إلقاء اللوم علنا، وإبقاء عملية جنيف على قيد الحياة، وليس سكب المزيد من الوقود على النار العسكرية.