عندما نعلم أن الحياة تبدأ ... وعندما نقرر لها ذلك دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى.. كيف نجد أنفسنا في علاقتنا مع الحياة دون النظر إلى شهادات الميلاد.

فكثير من الأشخاص لا يحب أن يقال عنه إنه وصل خريف العمر، لأنه دلاله على كبر سن، لكن هذا الأمر عند الشعراء عكس ذلك لأنهم عشاق فصل الخريف، نظراً لرومانسيته وألوانه الطبيعية الخلابة، وبالواقع إذا كان كبر السن نقمه فلا بد منه، وهو يلاحقنا جميعاً

لذا علينا وأن غزا رؤوسنا الثلج الأبيض، أن نتعلم فن التعايش مع راحة البال، ونعطي كل ساعة وهجه و فرحه خاصة، إذا التقينا بأحفادنا أصبحنا منهم، وإذا رأينا أصدقائنا ضحكنا معهم على ذكريات قديمه.

هذا نموذج خريف العمر الذي اختارته "البيان" ليكون دلالة على ربيع عمر متجدد، يدعو إلى الراحة بعد عناء طويل، وذلك من خلال عينان تشعان بلمعان لا يشبه إلا التماع روحه العاشقة للحياة. اليوم نتعرف على حياة وحكمة نموذج جديد وهو معلم الأجيال ماجد محمد القاسم وكان هذا الحوار:

كيف بدأت حياتك العملية؟

أنهيت دراستي الجامعية من جامعة الإمارات عام 1984، واخترت كلية الآداب وتخصصت في الجغرافيا، لأن فيها جانب عملي، بالإضافة إلى أني كنت أطمح إلى الحصول على عمل بعد إنهاء الدراسة يكون ضمن مجال تكثر فيه الأنشطة والفعاليات. وما هي طبيعة العمل؟ وما هي الوظائف التي تدرجت فيها؟

بعد التخرج التحقت في وزارة التربية والتعليم امتهنت التدريس، وبعد سنتين عملت مشرف إداري بالمدرسة، ثم ترقيت إلى مساعد مدير، وأخر سنوات الخدمة شغلت منصب مدير المدرسة، أغلبها في الثانوية، وبعدها تقاعدت ثم عملت بإحدى مدارس الخاصة بدبي.

كيف تنظر إلى طبيعة عملك، وما وصلت إليه؟

مهنة التدريس من أسمى وأرقى المهن، وتحتاج إلى تفكير دائم، وأشخاص على قدر عالٍ من المسؤولية، لأنها تقدم رسالة سامية، وتصنع أباء وأمهات المستقبل، كما أن التعامل مع المراهقين صعب ويحتاج إلى معاملة خاصة. طموحي كان أكبر من الذي وصلت إليه، لكن أنا راضٍ عنه تماماً، لأنني لم أبخل بالمساعدة أو تقديم المعلومة للطلاب.

إثراء الميدان العلمي بالمواطنين

هل حققت الأهداف المرجوة من عملك؟

هدفي من اختيار هذه المهنة، هو إثراء الميدان التربوي بالمواطنين، وتشجيعهم للإقبال عليه، لأن عدد العاملين فيه من أبناء الإمارات كان قليل جداً، بالإضافة إلى أنني أريد إعطاء فكرة جيدة عن كفاءتهم وقدرتهم على العطاء وتوصيل المعلومة، كان ذلك حيث أنني المواطن الأول والوحيد الذي عملت بعد التقاعد مدير مدرسة خاصة.

صف أول يوم عمل لك وأخر يوم؟

أول يوم كان له رهبه، لأنه مثل التجربة الأولى لي في الصفوف المدرسية كمعلم، ولأن كلية الآداب لم تؤهلنا عملياً، لكن ما هون الأمر علي أني بدأت العمل ولم أكن معلم أساسي، حيث باشرت العمل في الفصل الدراسي الثاني وكنت اشغل حصص الفراغ، واعتبرت هذه التجربة بمثابة تدريب.

بعد سنوات عمل طويلة ما الحكمة التي خرجت بها؟

اقتدي بحكمة الأمام الشافعي التي تشير إلى رضا وقناعة الشخص بما وصل إلية وهي،( دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفساً إذ حكم القضاء).

هل لك أن تلخص لنا خبرة 25 عام في جملة واحدة؟

الميدان التربوي ساعد على صقل الشخصية القيادية لدي، من خلال وضع برامج مجتمعية ومشاريع مستقبلية، والقدرة على بناء فرق العمل وتوزيع المهام والصلاحيات، وبالإضافة إلى حب الابتكار والتجديد والعمل بروح الفريق الواحد، لأنني كنت أتعامل مع طلاب مراهقين يحتاجون لإستراتيجية معينة.

ما الفائدة الثقافية أو الاجتماعية التي خرجت بها ؟

حصلت على العديد من الفوائد الثقافية من خلال الدورات، والأنشطة والسفرات الخارجية التي شاركت فيها،الأمر الذي انعكس على اسهاماتي الوظيفية والمجتمعيية في جميع المجالات، أما اجتماعياً استطتعت بناء علاقات واسعة النطاق مع شرائح إنسانية مختلفة في المجتمع.

ماذا تنصح الموظفين الجدد؟

متابعة كل ما هو جديد من خلال المحاضرات، والندوات، والدورات التدريبية، كذلك استغلال كل الإمكانيات المتاحة له لخدمة الطالب والمعلم، والمدرسة، لأنهم يشكلون فريق واحد وفشل أي عضو يؤثر على الكل، فالبناء المدرسي ينطبق عليه قول المصطفى صلى الله عليه وسلم " المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا".

موقف صعب

ما هي أصعب المواقف التي تعرضت لها بالعمل، وكيف تعاملت معها؟

أذكر أني كنت رحلة مدرسية إلى فرنسا برفقة 25 طالباً، وعند وصولنا المطار للمغادرة ، اكتشفت ان المسؤول عن تذاكر السفر لم يحضرها إلى المطار ونسيها في المدرسة، وكانت الساعة السادسة مساءً أي وقت الذروة وأثناء مهرجان التسوق، وكان باقي على إقلاع الطائرة ساعة ونصف، عندها اتصلت بالشرطة وشرحت الموقف لهم وطلبت منهم ملاقتي عند المدرسة، وطلبت من ولدي أن يرجع للمطار فذهبت للمدرسة وأخذت التذاكر، وبعدها عدت مع دورية الشرطة ورجعت للمطار خلال 20 دقيقة وتنفس الطلاب صعداء لإستكمال رحلتهم.

وأجملها؟

وهي مقابلة المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد، عندما تولى الحكم لتهنئته وتقديم درع الوفاء له، حيث كان أول وفد طلابي قدم التهنئة.

ما هو أصعب قرار اتخذته في حياتك العملية؟

أصعب قرار هو التقاعد والانتقال للعمل في مدارس خاصة.

لو عاد الزمن للوراء هل تختار الوظيفة نفسها، وماذا تتمنى أن يتغير؟

نعم أختار المهنة نفسها.

كيف ينظر أبناؤك إلى طبيعة عملك؟

فأنا أجد منهم كل التقدير والاحترام، لأنني تعلمت واستفدت من خبراتي المدانية في كيفية التعامل مع الابناء و معرفه حاجياتهم .

ما هي خططك المستقبلية للعمل؟ وما هي أولوياتك؟

بعد التقاعد شعرت براحة كبيرة، لأن أصبحت قادر أكثر على التفكير بعد إلقاء مهام ومسؤولية أجيال المستقبل عن كاهلي، خاصة وأن العمل بالمدارس الخاصة مرهق جداً، بسبب كثرة النشاطات والدورات والبرامج المتنوعة.

بعدها بدأت رحلة الاستقصاء لإيجاد مشروع تجاري خاص بي، أقضي وقتي به، وحتى لا أكون فريسة لروتين الحياة اليومية المملة، ولزيادة مصدر دخل العائلة، إذ أن راتب التقاعد لا يكفي، بالإضافة إلى تطوير نفسي، وتبادل الخبرات الآخرين، لكني انصدمت بالواقع.

حيث أن الحياة تغيرت تماماً وأصبحت أكثر تعقيداً ومجالاتها توسعت، والغلاء أصبح صفة لكل المشاريع والبرامج، ووقتها أدركت أن انشغالي في العمل بالميدان التعليمي والتربوي سرق مني عمري، وعملت أن الحياة فرص وعلي أن استغلها وألحق بركب التطور، لذا أنشئت عملي الخاص الذي يتناسب واهتماماتي وقدراتي ومتطلبات السوق، فأنشئت مركز المبدعون مبدعون للتسويق والمشاريع المتميزة، الذي يهتم بتطوير أداء الموظفين وخلق الشخصية القيادية لديهم.

وكانت أولى باكورة إنتاجها منتج (كـن متميزا وانطلـق) منتج تحفيزى للموظف في تطوير نفسه وحياته ، ولقد لاق إقبالا كبيرا من المؤسسات الحكومية والخاصة، وخاصة من مؤسسة محمد بن راشد لدعم مشاريع الشباب، ومن خلال هذه المؤسسة استطاعت أن أخدم وطني في تقديم مشاريع وبرامج وأفكار متميزة للمؤسسات الحكومية والخاصة، وبعدها أنشأت مؤسسة مبدعون للوساطة العقارية.

هل تعتقد أنك تلقى التقدير الذي تستحقه من المجتمع وأصدقائك؟

نعم، وبفضل من الله تركت أثر طيب بين زملائي في العمل وبين طلابي، فعند دخولي أي دائرة حكومية أو مؤسسة، أجد كل الترحيب والتقدير من طلابي حيث يأتي ويعرفني بنفسه، ويعرض خدماته للمساعدة.

التعامل مع أولياء الأمور والطلاب خاصة الذين يمرون في فترة المراهقة أمر صعب جداً، ويحتاج إلى إستراتيجية معينة هدفها توصيل المعلومة الصحيحة للطلاب دون توجيه الأوامر لهم، والقدرة على استقطاب حماسهم وتوظيفه بالطريق الصحيح.

أما أولياء الأمور فعليهم التعاون مع المدرسة وزيارة إدارتها بشكل مستمر، لكن للأسف أن بعض الآباء لا يقومون بذلك إلا إذا طلبت منهم إدارة المدرسة، وبهذه الحالة يأتي الأب وهو ثأر وغاضب على أبنه، وأذكر أني تعرضت لمواجه مثل هذا المواقف عندما طلب مساعد مدير المدرسة الثاني من والد أحد الطلاب المشاغبين درسة.

حاولت وقتها أن أتصرف بحكمة عندما دخل الأب على مكتبي ، لذا طلبت منه أن يهدأ ويتعامل مع أبنه على أساس أنه رجل وصديق وأن لا يحرجه أمام الهيئة التدريسية والطلاب، خصوصاً أن المراهق بهذه المرحلة يريد أي حجة لترك المدرسة، ولحسن الحظ كان الأب متعاون، واستطاعتا تلاشي النتائج السلبية للمواقف، لأنه بهذه الطريقة تم التأثير على الابن وخجل من نفسه وتراجع عن أفعالة وأنهى المرحلة الثانوية بنجاح، وكان هذا الطالب أول زائر لي عندما انتقلت لمدة أخرى بعد ثلاث سنوات.

البيانات الشخصية

الاسم: ماجد محمد علي القاسم

العمر: مواليد:1961

عدد الأولاد: سبعة

سنوات العمل: 25 سنة

سمانا النصيرات

تصوير: عمران خالد