لا تتحايلوا على التوطين

عندما طالبنا في مقال سابق بإعداد إحصائيات تكشف عن أعداد الإماراتيين في القطاع الحكومي ومن يقابلهم من الأجانب والوافدين ومدى الحاجة الحقيقية لهم في التخصصات التي تم تعيينهم عليها لم نأت بتلك المطالبة من فراغ بل إننا عمدنا للمطالبة بذلك كوننا ندرك أن كثيرا من مؤسساتنا الحكومية في الإمارات تباهي بأعداد الإماراتيين فيها وارتفاع نسبتهم في حين أن الواقع يحكي غير ذلك، بمعنى أن المسؤولين للأسف يتحايلون على قضية مهمة وهي قضية التوطين، قضية تأتي مصالحها في الدرجة الأولى مع مصلحة الوطن الذي لابد من أن يعتمد على سواعد أبنائه، ومصلحة أبنائه الذين لهم الحق في فرص العمل أكثر من غيرهم.

التحايل الذي نتحدث عنه ببساطة يكون من خلال أساليب مبتكرة قامت بعض المؤسسات باللجوء إليها في السنوات الأخيرة، ومنها عمليه التعهيد «outsourcing» وهي من أهم الابتكارات لمحاربة التوطين، إذ تتفق مع شركات توفر لها موظفين وأغلبهم أجانب بعقود سنوية من دون أن يضافوا إلى المؤسسة أو الدائرة، وبذلك يكونون رسميا تابعين لشركة لكنهم يعملون في الوزارة أو الدائرة، ويحظون بفرص عمل تقلل من فرص عمل الإماراتيين وحظوظهم في القطاع الحكومي.

وبالتالي إن سألنا عن نسبة التوطين في تلك المؤسسات والدوائر الحكومية وجدناها لا تقل عن ٨٠٪ إلى ٩٠٪ في حين أنها ليست الرقم الحقيقي، وهو أسلوب تلجأ إليه أيضاً بعض البنوك والشركات الخاصة، ويبقى أمرا مقبولا فيها باعتبار أنها ضمن القطاع الخاص الذي له الحرية في تعيين من يشاء وفق القوانين لكنه أمر غير مقبول في القطاع الحكومي لأنه يتحايل ويغيب مصالح دولة ومواطنيها لأسباب غير منطقية وليست ضرورية أبدا.

العملية بدأت بصغار الموظفين كعمال النظافة والصيانة ولكنها اتسعت لتشمل موظفي خدمة العملاء وفنيي الحاسب الآلي وبعض الوظائف الأخرى، وعندما تبحث عن الأسباب لا تجد سببا مقنعا مما يجعلنا في حيرة من أمرنا مما نراه ونسمعه من أبناء جلدتنا.

لم يستنكر أي منا الاعتماد على الأجانب والوافدين من أصحاب الخبرات في بعض الوظائف لكن طالبنا بالاستفادة من وجودهم بتخريج عناصر مواطنة من تحت أيديهم تستفيد من خبراتهم، وطالبنا بحصر استقطابهم في التخصصات التي نعاني منها نقصا في أعداد خريجي الدولة، لكن التحايل والتلاعب بأساليب ملتوية، وتوظيف غير المؤهلين وإنفاق ميزانيات ضخمة على رواتبهم والحوافز التي تقدم إليهم يولد حسرة لدى أبناء البلد ويجعلهم مشحونين تجاه الطرف الآخر، وهو أمر طبيعي رغم أننا لم نعهده ولا نحبذه أو حتى نشجعه، بل إننا نطالب بإعطاء كل ذي حق حقه.

التوطين ملف مهم وليس بذلك التعقيد لكنه يحتاج مواجهة المتسببين في تعقد مشكلاته لاسيما في القطاع الحكومي، وذلك لن يكون إلا بإعداد الإحصائيات وإلغاء هذا النوع من العقود الخارجية المضللة التي ترفع نسبة التوطين وتعكس أوضاعا ليست واقعية. ونأمل على المسؤولين أن يراعوا الله ثم ضمائرهم عند اختيار العاملين في مؤسساتهم، فأبناء الإمارات أولى بالوظائف من غيرهم طالما أنهم مستعدون للعمل وطالما وجدوا من يستوعبهم ويحتوي طموحاتهم ويمنحهم ما يحتاجونه من الخبرة.

 

الأكثر مشاركة