فلسفة الزهاوي(1863 - 1936م)

إذا ذكرنا طلائع النهضة الأدبية العربية في العصر الحديث؛ فلا مندوحة لنا عن ذكر شعراء العراق؛ الرصافي، والزهاوي، والجواهري، والكنعاني، ونعمان ماهر.
أما الزهاوي، فقد ولد في بيت علم وأدب وجاه؛ فأبوه مفتي العراق، وأجداده كبراء السليمانية.
نظم الشعر من صباه إلى منتهاه، وتقلب في مناصب مهمة. قال عن نفسه: «كنت في صباي أسمى «المجنون»، وفي شبابي «الطائش»، وفي كهولتي «الجريء»، وفي شيخوختي «الزنديق» لمجاهرتي بآرائي الفلسفية».
وقد أثر هذا في شعره، فقد نحى به نحو الفلسفة.
كتب عن نفسه: «نزلت من السيارة عند باب السوق، أريد مقابلة أحد الكتبيين فسقطت مغمى عليّ، فحملوني في عربة إلى داري. وبعد انتباهي قلت لعل يومي قد اقترب، ونظمت قصيدة «إحساساتي»:
قد أنَى يا منيتي أن تعودي... بي إلى حيث كنتُ قبل وجودي
حيث لا أقتني شعوراً يُريني... كيف أدنو للفوز بالمقصود
لا تخافي عليَّ فالموت سهل... لا كما ينعتونه بشديدِ
وتذكر يوماً أخاه عبد الغني ‌الزهاوي فهاجته الذكرى ودفعته إلى زيارة قبره للبكاء عليه كأنه مات بالأمس، قال:
أخي إلى الموت سلكْ... أخي قضى، أخي هلكْ
يا ليل أحزاني من... بعد أخي ما أطولك!
ومن طرائف شعره:
أسرفتَ يا إبليس في الوسواس... فأعوذ منك بربِّ هذا الناسِ
أغويتني من بعد ما استدرجتني... مستحوذاً حتى على أنفاسي
حسَّنت في عيني الشرور فجئتها... وضممتُ أرجاساً على أرجاسِ
وله:
الكذب أسعدني والصدق أشقاني... والكذب أضحكني والصدق أبكاني
الكذب صيَّر أعدائي ذوي مِقةٍ... والصدق أبعد عني كل أخداني
رحم الله ‌الزهاوي، كان فذاً متعدد المواهب، دقيق الحس، مفتوح القلب، متقد العاطفة، وكان إلى هذا كله فيلسوفاً، درس الفلسفة حتى أعماقها، وكان فيها متأثراً بأبي العلاء المعري، مترسماً خطاه، متبعاً هواه؛ ونظرة متأنية في «ثورة في الجحيم» ومعارضتها برسالة الغفران، تؤيد ما نذهب إليه.