في مارس من عام 2006 تم إرسالي إلى جيبوتي مع وفد إعلامي من الصحف المحلية لتغطية آثار الازدهار الذي طرأ على اقتصاد تلك الدولة بعد دخول موانئ وجمارك دبي آنذاك نتيجة اتفاقية لاستفادة جيبوتي من تجربة دبي.

كانت الرحلة شاقة على طيران إحدى الدول الأفريقية، وتم استقبالنا بحفاوة شديدة في مطار جيبوتي، ونقلنا إلى الفندق حيث عقد طرفا الاتفاقية اجتماعاً لشرح برنامج اليوم التالي الذي سيبدأ في الثامنة وينتهي عند الرابعة. كان البرنامج مزدحماً بشدة، وأبلغت المصور حيث كنا القناة التلفزيونية الوحيدة الموجودة هناك أن الغد سيكون حافلاً، وفي قرارة نفسي كنت أحاول الخروج بشيء متميز لكن نمت تلك الليلة دون نضوج أي فكرة في ذهني.

استيقظنا في الصباح وعقدنا اجتماعاً بعد الإفطار في مقر جمارك جيبوتي، وكان فحوى الاجتماع تحليلاً اقتصادياً متعمقاً لم أكن مهتماً بتفاصيله، لأن التحدي أمامي إبراز الأهم وبصورة شيقة لمشاهد التلفزيون. خرجت من الاجتماع لوحدي أنظر لورقة البرنامج للخروج بشيء، وكانت الشمس ترتفع تدريجياً لتصل إلى كبد السماء والحرارة ترتفع، فنظرت إليها وفي تلك اللحظة ظهرت الفكرة.

كنت بحاجة فقط إلى إعادة ترتيب البرنامج ليلائم الفكرة، ودخلت إلى الاجتماع لأجد المصور متململاً ينظر إليّ فأخذته للخارج وشرحت له ما أريد، فقال: يجب أن نضبطها وإلا لن نخرج بشيء. فقلت له إننا بحاجة لسائق خاص فقط. كانت الفكرة جمع كل الأنشطة الصباحية للأيام الثلاثة (مدة الرحلة) معاً في تقرير، وجمع كل أنشطة ما بعد الظهر معاً في تقرير وجمع كل أنشطة المساء في تقرير. والهدف: وضع تقرير اقتصادي مقسم لثلاثة أجزاء في قالب قصة خبرية محددة بخط زمني.

بعد تلبية طلبي بتخصيص سائق لي بدأ العمل وكان التنقل صعباً بسبب الازدحام المروري في بعض الشوارع، وبعد عدة مقابلات شعرت بصداع شديد نتيجة تكرار الدخول إلى أماكن مكيفة والخروج منها إلى الشمس الحارة لختم التقرير بالظهور أمام الكاميرا وتسجيل فقرة النهاية.

كان سباقاً ضد الشمس، حيث كنت أنظر إليها من زجاج السيارة وهي تتحرك تدريجياً نحو الغروب، فطلبت من السائق الذهاب إلى الميناء لأسبق الشمس، ووصلت بالفعل إلى هناك وانتظرتها حتى حان وقت الغروب فسجلت ختام التقرير وهي تغرب خلفي.

اليوم الثاني عملت بنفس الآلية، وفي اليوم الثالث حدث لنا موقف ظريف في السوق الشعبي إذ كنا نصور البضائع المعاد تصديرها من دبي والموجودة على أرفف المحلات فجاءنا بعض الناس ظانين أننا من قناة أجنبية نصور عملاً مسيئاً عنهم إلا أنهم رحبوا بنا بمجرد أن علموا أننا من دبي.

بعد وصولنا للوطن أمضيت يوماً بأكمله من إجازة نهاية أسبوع في غرفة المونتاج نصنع التقرير الذي يبدأ من الصباح (التقرير الأول) مروراً بفترة الظهيرة (تقرير اليوم الثاني) ويختتم في الجزء الثالث مع غروب الشمس.

مسك الختام: أهم عنصر في كل عمل هو فكرته، إن تميزت تميز معها العمل.