كانت الحكايات الشعبية هي المسلي الوحيد لصغار زمن ما قبل التلفاز، لا يتغيب عن سماعها صغير، سلواهم الوحيدة التي يبقون متصلين بصريا وسمعيا براويها، حكاية تلو حكاية، يكبر الصغير وربما لا تعيش تلك الحكاية عمرها المستحق معه، إن تركت دون أن تأخذ حقها من الحفظ والتوثيق. حكاية العقيلي واحدة من الحكايات التي كان سينتهي مصيرها إلى الدثر والنسيان، لولا فطانة من سمعوها واهتموا بالبحث عن سردها، فنهضوا واجتهدوا لتوثيقها وحفظها.
فالعقيلي الاسم الذي كنت قد سمعته في مواضع عدة وليس غريباً على مسمعي، لكن أن يقال لي بأن هناك حكاية له، أبطالها أبناؤه، هذا ما سعيت جاهدة للبحث والتساؤل حول مصداقية ذلك، وقد قرأت أثناء تنقيبي في مواقع إلكترونية شتى عن تعدد روايات تلك الحكاية، فلم يكن هناك سرد واحد لها، وهو ما دفعني في البحث أكثر للوقوف على الرواية الحقة لتلك الحكاية، وسؤال من كان في حسبتي هم أدرى عما إن كانت تلك الحكاية حقيقة أم أسطورة ؟
بقيت تلك الحكاية عالقة في مخزوني الفكري، فلم أتوصل إلى كيانها، إلى أن سمعت سردها الحقيقي من الباحث الإماراتي الدكتور راشد المزروعي، رواها على جمع من المتسائلين عن تفاصيلها، والمهتمين في معرفة الموروث الشفهي الذي لولا جهودهم كمهتمين وباحثين في التراث لما وصَلنا علمها.
لم تمر حكاية العقيلي، مرور الكرام ونحن نسمعها من المزروعي وهو يمتعنا بأحداثها التي تسلسل في سردها وتعزيزها بأبيات شعرية، كلغة سادت شعبيا في الوصف والتخابر. فبأحداثها وشخوصها شدت السامع ليترقب الحدث اللاحق، حيث استوقفتني مواضع كثيرة في تلك الحكاية الشعبية وما تحمله من وعظ ودروس، وتركت درة الحكايات الشعبية الشفهية في الإمارات أثرا حكواتيا ثريا في نفس من سمعها أو من سيسمعها لاحقا، فاختزلت قيما ومبادئ يستخلصها المتلقي من رموزها وشخوصها، وهو ما يشجع للالتفات وتكثيف الجهود لتوثيق الحكايات الشعبية، وهو جزء وطني حفاظا على الموروث الشعبي.