في هذه الأيام الشعبانية، التي تحمل بين أيامها »ليلة النصف من شعبان«، قد يكون لذكريات الطفولة حضور قوي لدى الكبار، لا سيما و»للخريطة« التي كانت أمهاتنا تخيطها.

وتتفنن في زركشتها، وهي أكياس من خيوط حيكت من أجل ملئها بالمكسرات والحلوى التقليدية التي تجود بها الأسر للصبية والفتيات الصغار، فمظاهر وصور الاحتفالات في تلك الليلة، تجسد سعادة وفرحاً لكل صغير وكبير بقرب حلول شهر رمضان الكريم. وتتعدد مسمياتها، فهناك من يطلق عليها قرقيعان وقرنقعوه والقرنقشوة والقرقاعون، وهو اشتقاق من قرع الصغار للأبواب، احتفالاً بالمناسبة وطقوسها التلاحمية التي تحمل عبق الماضي الجميل، وهي عادة تراثية ضاربة منذ القدم، توارثتها الأجيال على مر السنين.

وتجلى فيها الماضي بلحظاته الجميلة، وببهجة تصنعها عفوية صغار مرتدين حلة شعبية يجوبون الأحياء السكنية، ويحملون الأكياس، وأفواههم تردد »يا لله أنسير حق الله جدام بيت عبد الله، يا الله أنسير حق الليلة، الليلة أحلى ليلة«، أناشيد ترددها حناجرهم، ويصدح صداها في ذاكرة الكبار، فتعيدهم إلى ذكريات احتفائهم، وما غرسه هذا الاحتفاء من روابط ودية بين العائلات، عززت بدورها صور الألفة والتلاحم المجتمعي.

قد يكون لا يعي الكثير من الصغار تلك العبارات التي ترددها أفواههم فرحاً، إلا أنهم على وعي بأنها موروث شعبي وجب الحفاظ عليه، فما يهمهم في تلك الليلة، هو حصادها من عطايا أهل الحي »الفريج«، وهم يرددون »عطونا الله يعطيكم، بيت مكة يوديكم، عطونا من مال الله، سلم لكم عبد الله«، وأخرى »عساكم من عواده ولا تقطعون العادة«، وأهازيج فلكلورية متنوعة، معبرين عن فرحهم وسعادتهم واعتزازهم بالموروث الشعبي، وهو ما يؤكد حفاظهم على أصالة مجتمعهم بعاداته وتقاليده، في ظل الانفتاح والعولمة، لا سيما في مجتمع كالمجتمع الإماراتي، يضم أطيافاً وأجناساً بعادات متباينة.