منزلنا يضم ثلاثة أجيال، جيل الآباء والأبناء وأبناء الأبناء، نختلف في أغلب قناعاتنا واهتماماتنا وآرائنا، كل منا يرى في هوية جيله المثالية وسلامة القول والعمل، وأتحدث هنا عن الجانب الاجتماعي والمادي، بعيداً عن إسقاط الأمور على الجانب الديني الذي هو الفصل الحكم.

في تجمعاتنا العائلية تظهر اختلافاتنا ونميزها أكثر، وتبدأ سحابة «صراع الأجيال» تحلّق فوق رؤوسنا، وهي ظاهرة قديمة وليست من الظواهر العصرية الوليدة، إلا أنها توسعت في وقتنا الراهن، ليس بسبب اختلافاتنا فحسب، وإنما لعناصر دخيلة أسهمت بدورها في التأثير فينا وأخضعتنا لغسيل الأدمغة تماشياً مع منهجها.

لم يعد صراعاً بقدر ما أصبح مقارنة تميل إلى المعايرة والتعسف والتأسف على حال الجيل الحالي والقادم، هذا ما أسمعه وألمحه في نظرات أمي وعمتي في الصباحات والمساءات، حتى أصبحتا تعجزان عن التعبير بسبب مبالغتهما في مرات سابقة في مقارنة أيام جيلهما الفاضلة بأيام جيلنا.

سألت عمتي في أحد المساءات، ما إذا كانت جدتي قد سبق ورددت عليها ما يشبه تلك الأسطوانة التي تقارن فيها بين جيلين كل منهما ينظر من منظار مختلف، فانهالت علي بذكر محاسن ومزايا جيلها، حتى جاهدت في تغيير دفة النقاش، فنجحت في لفت انتباهها إلى إعلان عن عروض شهر رمضان في إحدى القنوات العربية.

عدت لأسألها: لماذا لا ترحموننا من فخ المقارنات بيننا وبينكم، فلا أعتقد يوماً بأني سأحاور ابنتي على ميزان كفتي جيلي وجيلها، لأرى أيهما سترجح كفته؟

لماذا لا تستحضرون مقولة علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «لا تُكرهوا أولادكم على عاداتكم لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم»؟

لماذا لا تثمنوا اهتماماتهم وأفكارهم حتى إن لم ترقَ إلى مستوى وطريقة تفكيركم؟ عززوا فيهم حقهم في أن ينظروا إلى تحدياتهم وفرصهم بنظرتهم التي تناسب فكرهم وعصرهم، لا تجعلوه صراعاً، بل امتداداً وعصرنة.