أكتب هذه المقالة، وأنا على متن الطائرة المتجهة من لندن إلى دبي، المسافرون حولي من مختلف الأطياف والأعمار، ما جعلني أتساءل عن الأسباب التي تدفع الإنسان أن يسافر ويتكبّد العناء، وتجعله يتهافت على شركات الطيران، ويبحث عن حجوزات الفنادق، كلما اقتربت فترة الإجازات؟.

السفر نشاطٌ إنساني مارسه الإنسان منذ قدم التاريخ، وحتى يومنا الحاضر، وحرص على تسخير الوسائل المختلفة لتُسرعه وتُسهله وتجعله متاحاً للجميع. وأظن أن أهم سبب يدفع الإنسان إلى السفر والارتحال، هو إشباع فضوله المعرفي، وحبه للاكتشاف، منذ أن وُجد على الأرض، ولولا هذا الفضول المحمود، ما اكتُشفت القارات ولا البحار والمحيطات. وقديماً، حين لم تتوفر وسائل التصوير، أشبع الرَّحالة فضول الناس، من خلال تدوينهم المسهب ووصفهم الدقيق للمناطق التي زاروها.

الإنسان كذلك كائن اجتماعي بطبعه، والسفر يتيح له التعرف إلى أشخاص قد لا يُشبههم ولا يُشبهونه ظاهرياً، ولكنهم يتشاركون معه في الإنسانية، وهو الأهم. فيتعرف المسافر إلى ثقافاتٍ، ولغات وعاداتٍ جديدة، ويجرب أطعمة مختلفة، وتلك بحد ذاتها متعة لذيذة.

الإنسان أيضاً كائنٌ مَلول، ويحتاج إلى تغييرٍ مؤقت في نمط حياته بين حينٍ وآخر، ليعود إلى حياته بعطاء أكبر، والسفر من أهم الأنشطة التي تتيح له ذلك.

ولكن البعض يظن مخطئاً أن السفر بالضرورة مكلف مادياً ومعنوياً، ولا يُدرك أن السفر أبسط مما يتوقع، فيمكنه أن يسافر إلى مدينة أو قرية مجاورة، أو حتى بقراءة كتاب جديد أو رواية.

بلى، لا تتعجب، فالروايات قد تأخذكَ بعيداً آلاف الأميال، دون أن تكلفكَ كثيراً. بإمكانكَ أن تزورَ أحياء القاهرة مع روايات نجيب محفوظ، مدن روسيا مع الأدب الروسي، وربما أمريكا اللاتينية أو أقاصي الصين. الرواية لا تنقلكَ عبر المكان فقط، بل عبر الزمن كذلك، فترجعكَ سنوات وعقوداً إلى الوراء.

في يومنا الحاضر، امتد فضول الإنسان ليشمل هذا الفضاء الواسع، ولا أستبعد أن يُتاح للإنسان السفر إلى كواكب أخرى في المستقبل.