قبل أيام، شاهدتُ لقطات من داخل مدرسة ثانوية «زعبيل» للبنات، نشرها حساب «هذربان»، تظهر فيها زوايا المبنى الفارغ، بعد أن كان يضجُّ بالطالبات والمعلمات، فعدتُ أعواماً إلى الوراء، وانقشعت التفاصيل التي ظننتها بهتت مع الزمن. تأكدتُ عندها أنَّ للأمكنة ذاكرة نعوّل عليها، فمكانٌ دون ذاكرة، لا روح فيه، وذاكرةٌ بلا مكان، تبهت سريعاً.

تذكرتُ الطابور الصباحي في ساحة المدرسة، كنا نُردد النشيد الوطني أمام سارية علم الإمارات الشامخ، ونستمع بعدها إلى الإذاعة المدرسية، أحياناً بخمول، وأحياناً أخرى بحماس. تذكرتُ فترة الفسحة التي كانت تمر بسرعة، و«سندويتشات» الفلافل و«كرواسون» الجبنة، التي كنا نتلذذ بأكلها، ورحلاتنا المدرسية، وبالذات رحلتنا عام التخرج إلى «متنزه الجزيرة» في الشارقة. تذكرتُ زميلاتي وصديقاتي، ما زلت على تواصل مع بعضهن، والأخريات أخذتهن دروب الحياة إلى مصائر وأمكنة مختلفة.

استرجعتُ أسماء معلماتي الفاضلات، «أبلة صالحة» معلمة التربية الإسلامية، التي لم تكن الابتسامة تُفارق وجهها، «أبلة شمسة» التي حوّلت مادة الكيمياء إلى أحب المواد، و«أبلة نجاة» التي سهلت علينا فهم معادلات مادة الفيزياء المعقدة، و«أبلة مديحة» معلمة اللغة العربية، التي رأت في كلماتي جمالاً لم أكن أراه، و«أبلة مشكان» التي كانت تتأكد من أننا فهمنا الدرس قبل نهاية كل حصة، «أبلة هدى» و«أبلة صفية»، وغيرهن من المعلمات الفاضلات.

ما زلتُ أذكر حضور مديرتنا المعلمة الفاضلة فايزة السويلم، البهي، كل صباح، وإشرافها على كل شاردة وواردة. تعد مدرسة «زعبيل» الثانوية للبنات، واحدة من أكبر مدارس الفتيات في دبي، وسميت بهذا الاسم، نسبة إلى منطقة زعبيل التي تقع فيها. افتتحت المدرسة عام 1979، بإدارة المعلمة الفاضلة رجاء القرق، وتلتها المعلمة الفاضلة فايزة السويلم، وغيرهن من المديرات اللاتي أسهمن باقتدار على مدى 29 عاماً، في توفير مقومات النجاح لها، وتخريج قيادات نسائية متميزة في دبي.

تحمل مدرسة «زعبيل» الثانوية للبنات، ذاكرة ثرية، ففي كل زاوية من زواياها، ذكريات الطالبات والمعلمات، أتمنى أن يُحافَظ عليها، لتبقى قصص نجاح الخريجات، دليلاً على عراقة هذه المدرسة، وعلى اهتمام قيادتنا الرشيدة بتعليم وتمكين المرأة.