حين أقرأ كتاباً مترجماً ترجمة متقنة، أتخيله جسراً يصل بين ثقافتين. وكلما ازدادت جسور الترجمة، أدركُ أن الحراك الثقافي في نشاط، وجذور التسامح والانفتاح تزداد قوة وثباتاً.

أُقدر المترجمين، ولهم عندي مكانة خاصة، فهم يعملون على نص ليس لهم، ليُظهروه على أفضل صورة ممكنة. إنهم يبنون هذه الجسور التي تربط بين الشعوب والثقافات المختلفة. ولكن ما الذي يجعل هذا الجسر أكثر إتقاناً، أو بمعنى آخر لماذا نفضل ترجمة دون غيرها؟ ونميل إلى مترجمٍ دون غيره؟ أظن أن السر يكمن في الحب.

عندما يحب المترجم النص الذي يعمل عليه، يُترجمه بشغف، ويُبدع في عمله، لينعكس إيجاباً على النتيجة النهائية، فنقرأ النص بسلاسة حتى نكاد ننسى أنه نُقل إلينا من لغة أخرى. وذلك بطبيعة الحال لا يُغني المترجم عن معرفة أدق أسرار اللغتين معاً، فلكل لغة خصوصيتها، ولكل ثقافة فرادتها، فيحافظ المترجم على روح النص الأصلي مع تغيير ما يراه ضرورياً ليبقى النص سلساً.

على مر التاريخ ساهمت الترجمة في نقل المعارف، وازدهرت حركة الترجمة إلى العربية، في عهد الخليفة «أبو جعفر المنصور» الذي أرسى الأصول الأولى لحركة الترجمة إلى العربية، والخليفة هارون الرشيد الذي أسس «دار الحكمة» في بغداد كمركز للترجمة، وابنه «المأمون» الذي شهدت الترجمة ازدهاراً واضحاً في عهده، إلى العصر الحالي.

واليوم تعمل مشروعات مهمة على دعم الثقافة والترجمة في الإمارات، لعل أبرزها مشروع «كلمة»، الذي يتبع هيئة أبوظبي للسياحة وثقافة، ويهدف إلى إحياء حركة الترجمة في العالم العربي، وترجم أعمالاً مهمة متنوعة إلى اللغة العربية.

وأطلقت مؤسسة محمد بن راشد للمعرفة ورشة «الترجمة التخصصية للكتب والإصدارات» بهدف تأهيل وتدريب جيل متخصص من المترجمين المحترفين. أما دار «روايات» التابعة لـ«مجموعة كلمات»، فقامت بترجمة أعمال سردية عالمية بارزة إلى اللغة العربية.

وفي خطوة رائدة، بادرت هيئة الشارقة للكتاب بترجمة أعمال إماراتية إلى لغات مختلفة، لتبني جسور التواصل بين الثقافات، من الإمارات إلى العالم.