في الوضع الطبيعي، يعد المثقف منارة المجتمع التي لا يخبو بريقها ولا تنطفئ جذوتها أبد الدهر، وهذا يحدث فقط إذا تركنا جانباً الأساطير المُؤسسة لفكرة المثقف عن نفسه، والتي تدفعه إلى أن يَكِل إلى نفسه أدواراً بطولية ورسولية مُدَّعاة، تطغى على رأسماله وممكناته أمام حجم مهامه، فإن الذي لا مِرْيَة فيه، أن تلك المكانة العظيمة لن تتصدع، لكن يبقى السؤال إلى متى ستبقى محفوظة في ظل تضاؤلها الموضوعي في حياتنا؟

ولأن «الدور الرِّسالي» يطغى على المشهد، تخيم الأوهام على مثقفنا المهووس، وتجنح به بعيداً عن دوره المنوط به، والتقاعس عن أداء وظيفته المعرفية، ولا يكف لسانه عن إمطار الآخرين بالألقاب المزرية، غير مدرك أنه يحفر لَحْد خلاصه بنفسه، وربما قلة من قرؤوا عن الصراعات التي كانت بين شوبنهاور وهيغل، وشتائمهما اليومية التي مَهرت متون التاريخ بالأحقاد الدفينة، والسبب هو أن هيغل كان مشهوراً جداً، ويجذب مئات الطلاب إلى درسه، في حين أن شوبنهاور كان مغموراً، ولم يكن يحظى بأكثر من خمسة طلاب، فجن جنون شوبنهاور قائلاً: «هذا التافه المدعو هيغل! هذا الدجال عديم الروح.. هل يستحق كل هذا الاهتمام؟»!

مِن نافِل القولُ أن مُقاربة الحل هنا تستدعي تحديداً لعلاقة المثقف بالمجتمع، وموقعه من هذه العلاقة وانتمائه، فالمثقف صوت ومنبر، المثقف بُراق الأمل العابر لسماوات الإنسانية والأخلاق والقيم، المثقفون معاً جسدٌ.. يمثلون المجتمع فينقلون إرهاصاته نظماً ونثراً وفكراً.. المثقفون مؤسسة تنهض بالكلمة نحو مسار مختلف وتَمْخُر عُباب التغيير، لكن حينما تصبح النرجسية هي اللغة، والصراع على «الكراسي» غاية المنى، يهتز عرش تلك المؤسسات ويخبو بريقها، وتحاصر «بعض» أولئك المثقفين هالة الأنا، غير مدركين أن بيادقهم الهَلكى على رقع المناصب المتهالكة، فقدت كل الحلول والمبررات حينما قُرِعَت طبول «كش ملك»!