كان الشعر العربي ولا يزال من أهم الأدوات التي حافظت على اللغة العربية وكانت لها بمثابة مرجع أساسي يستشهد به في إثبات أو نفي صحة قاعدة أو كلمة مختلف عليها.
كما كان الشعر العربي ولا يزال مرتبطاً بالموسيقى والغناء، ويحدثنا تاريخ الموسيقى والغناء لدى العرب عن ازدهار القصائد المغناة وانتشارها في جميع أنحاء البلاد العربية.
وما أحوجنا في هذا الزمن الذي تعاني منه اللغة العربية من غربة قاسية بينها وبين أهلها أن يعود غناء الشعر العربي الفصيح وجعله مستساغاً كما فعل كبار أقطاب الغناء في الوطن العربي مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وصباح فخري وكاظم الساهر.
ومن منا لا يتذكر رباعيات الخيام لأم كلثوم أو الطلاسم لمحمد عبد الوهاب أو قل للمليحة لصباح فخري أو زيديني عشقاً لكاظم الساهر.
ولكن حتى الغناء يمكنه أن يسيء أحياناً إلى اللغة عندما يؤدي المطرب الشعر بقليل أو كثير من الأخطاء ليساهم في التهوين من شأن اللغة العربية وقواعدها.
من الذين كانوا يعشقون الشعر العربي المرحوم الدكتور محمد عبد الوهاب والذي جمعتني به محبتنا المشتركة للغة العربية وللشعر. حدثني كثيراً عن علاقته الحميمة بأمير الشعراء أحمد شوقي وكيف جعله يحب اللغة العربية وشعرها. غنى محمد عبد الوهاب الكثير من القصائد الفصيحة وأسهم إلى حد كبير في جعل الشعر الفصيح مقبولاً بل ومحبوباً لدى عامة الناس، وحتى عندما وجهت إليه انتقاداً بأنه أخطأ في أداء قصيدة الطلاسم للشاعر المهجري العربي إيليا أبي ماضي، تقبّل النقد معترفاً أنه اقترف خطأ لم يستطع إصلاحه وذلك عندما استبدل كلمة قدامي بكلمة أمامي، حيث كانت القصيدة:
جِئتُ لاَ أَعْلَمُ منْ أيْنَ ولَكِنِّي أَتَيْتُ
ولقدْ أَبْصَرْتُ قُدَّامِي طَرِيقاً فَمَشَيْتُ
وسَأبْقَى مَاشِياً إنْ شِئتُ هَذَا أمْ أَبَيْتُ
كيفَ جئتُ؟ كيفَ أبصَرْتُ طَرِيقِي.. لستُ أَدْرِي
وكان تغيير كلمة قدامي لكلمة أمامي سبباً في كسر الوزن الشعري وهذا ما لم ينتبه إليه سهواً، وكان يظن مخطئاً أن قدامي كلمة من اللهجة العامية. كان عبد الوهاب كبيراً عندما أقرّ بخطئه وهذا ما زادني احتراماً وتقديراً له. ومن يستطيع أن ينسى دوره الكبير في تقريب العرب من الفصحى وتقريب الفصحى منهم.
وللحديث بقية.