أغرب ما سمعته عن اللغة العربية قيام أحد الأساتذة العرب مع الأسف بتوجيه أصابع الاتهام لأبي الأسود الدؤلي وسيبويه وغيرهما من علماء اللغة العربية بأنهم وراء تخلّف العرب والمسلمين عن إتقان لغتهم، وذلك بسبب ما وضعوه لها من قواعد النحو والصرف.

وزعم هذا الأستاذ أن اللغة العربية كانت سهلة يعرفها جميع العرب، فجاء هؤلاء ليعقدوها ويجعلوها غير قابلة للاستيعاب، وبيّن حضرته سبب سهولة اللغة العربية، وهو أنها كانت تقرأ وتكتب من دون حركات الإعراب، وأن العرب كانوا يتكلمون بها من دون تشكيل، بل يضعون السكون على آخر كل كلمة يقولونها.

وعندما أحرجه المحاور بقوله: لو كان لدينا جملة «ضرب زيدٌ عمراً»، ونريد أن نعرف من الضارب ومن المضروب فكيف نتصرف؟ أجاب حضرة الأستاذ الفهيم: الاسم الذي يأتي بعد الفعل هو الفاعل، فقال المحاور: ولكن حتى في القرآن الكريم يأتي الاسم بعد الفعل ويكون مفعولاً به، وليس فاعلاً، مثل الآية التي تقول: «إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء»، فقال الأستاذ العلّامة: هذه أمور نادرة الحدوث، وأنا أتكلم على منهج لجعل اللغة العربية في متناول الجميع.

مثل هذه الدعوات الغريبة تسيء إلى اللغة العربية، وتجعل الاعتداء عليها أمراً مقبولاً ومطلوباً.

وكنت، ولا أزال، أنتقد بشدة المذيعين الذين يسكّنون آخر الكلمات تحت شعار «سكّن تسلم»، فالسكون هو علامة إعراب، ولا يجوز استخدامها إلا في الألفاظ التي تحتاج إليها.

وإذا استُخدمت طريقة «سكّن تسلم»، فمعنى ذلك أننا جعلنا أحرف النصب وأحرف الجزم واحدة، بل سنغير القاعدة ونقول عن أحرف النصب بأنها أحرف جزم.

ولو طبقنا عملياً ما قاله ذلك الأستاذ الفيلسوف لضاعت لغتنا وضعنا معها.

وأؤكد هنا أن لغتنا بنحوها وصرفها هي لغة سهلة يمكن استيعابها من دون مشاكل تذكر، وأن التسكين الذي يدعو إليه حضرة الأستاذ الغريب هو بمنزلة دق مسمار في نعش اللغة.

وللحديث بقية.