بعض الذين نصَّبُوا أنفسهم محامين عن اللغة العربية يسيئون إليها إما جهلاً وإما عن سابق إصرار وترصّد، فعلى سبيل المثال يقولون: اللغة العربية بحر، محيط مملوء باللآلئ والدرر.

ولكن الغواصين القادرين على الوصول إلى الأعماق قلة، وبذلك فإنه من المستحيل للعرب العاديين أن يكونوا قادرين على استخدام لغتهم من دون أن يغرقوا في اللحن والخطأ.

وبالطبع لا يقولون هذا الكلام تشجيعاً للعرب على أن يعرفوا لغتهم بل هم يقولونه لنشر روح اليأس من إمكان تعلم هذه اللغة ولتشجيع الأجيال الجديدة على ترك هذه اللغة وتعلم غيرها. نحن نعرف قبلهم غنى هذه اللغة التي تمتلك أكثر من ستة عشر ألف جذر لغوي.

وهذا يفوق كثيراً ما تملكه أي لغة غيرها. ونحن نعرف أنه لا يمكن لأي إنسان مهما بلغت قدرته وسمت عبقريته أن يحيط بهذه اللغة أو أن تكون معرفته بها شاملة كاملة. ونحن لا نطلب من العرب أن يكونوا معاجم لها أو أن يعرفوا كل قواعدها وأن يشرحوا كل كلماتها، ما نريده واضح ومحدد ولا خلاف عليه. نريدهم أن يجيدوا التحدث من دون أخطاء. نريدهم أن يجيدوا قراءة وكتابة هذه اللغة بشكل سليم.

نريدهم أن يعرفوا القواعد الأساسية لهذه اللغة والتي لا تزيد من وجهة نظري على عشر صفحات والتي تكفي حسب تجربتي الخاصة لإصلاح اللسان وشرح البيان، وعدم الوقوع في الخطأ واللحن.

لا نريد للطالب في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية أن يكون عالماً جهبذاً في قواعد اللغة العربية ونحوها وصرفها وبلاغتها وشعرها وأدبها، ولكن نريده أن يكتب ويقرأ ويتحدث لغته بشكل سليم. ونترك التبحر في محيط هذه اللغة للذين يجدون في أنفسهم القدرة والرغبة في دراستها والغوص إلى أعماقها، وبذلك يكون لدينا علماء متخصصون في دراسة هذه اللغة ويكون لدينا عرب قادرون على التحدث بلغتهم.

هذا ما يجب السعي إليه لتثبيت هذه اللغة وجعلها تحتل مكانتها التاريخية السامية لغةً للعلم والتواصل بين الشعوب والأمم.

وللحديث بقية.