ما زلنا نكتب ونكتب ونتحدث ونحث عن التسامح، ويعتقد البعض أن هذا التسامح مجرد خطوة شكلية تحسن من شكله أمام الآخرين، أو البعض الآخر من يعتقد أن قيمته ستعلو أكثر بعناده وتعنته لأنه لن يسامح. وهناك مجموعة أخرى من يبقى في دائرة تدور يسامح ويعود كما كان أو كما يقولون عادت المياه لمجاريها، لكن الطرف الآخر لا يفهم طيبة القلب وحسن النية، بل يعتقد أنه مهما فعل فهو في النهاية مسامح ومغفور له أياً كان ما فعله.
أعلم أن في هذا التسامح الكثير، من قيم وأخلاق وأجر عال جداً، لمن استطاع وقدر العفو والتسامح. لكن ما الفائدة أن ينطقها لساني وما زالت كل جوارحي تعاني، وما زالت حرقة الألم والظلم تجتاح كل تفاصيلي، ما زال أي موقف أو ذكرى تعيد لي مشاعر الحدث بأكمله بداخلي. هذا ليس تسامحاً هذا عذاب وعقاب لشخصك لا تحتاجه أبداً لأنه أقوى من مرارة لشعور إن كنت ما زلت على موقفك ولم تسامح.
لكن أسامح لأني اخترتني في البداية، اخترت سلام روحي، اخترت راحة بالي، اخترت السعة في عالمي، اخترت ابتسامة صادقة حقيقية تخرج من أعماق قلبي اخترت أن أعيش خفيفة بلا أحمال، لكنني أسامح لأن الحياة أقصر من أضيع مزيداً من وقتي في مكابدة ألم اخترت أنا بقاءه، والآن اختار رحيله بلطف من حياتي، وتجاوزه وعدم التوقف عنده.
أجل أسامح وأرسم لوحتي بألوان زاهية، وأضع كل شيء فيها بمكانه ومقامه الصحيح، لا أعطي شخصاً أو شيئاً أكبر من حجمه. وسأحرص على أن أكون أنا من يضع القيم والقوانين التي تناسبني. أسامح لأني لن أعاتب ولن ألوم غيري في حال ضيعت وقتاً أكثر في حفرة مظلمة من الغضب والحزن.
من حقنا أن نبكي ونتألم ونغضب أيضاً، لكن من حق أرواحنا وقلوبنا ومن نحب في حياتنا أن نعيش بسلام وهدوء. مفاهيم أن تكون سعيداً وإيجابياً لا تعني أن تصبح عملة بوجه واحد، بل أن تعيش حياتك وأنت مسؤول عن اختياراتك وقراراتك.