قبل رمضان بأيام قليلة، كنت مع أبنائي أجهز لدخول الشهر الفضيل. وهذه من العادات التي أحبها وأتمسك بها، ربما تكون عادية بالنسبة للبعض، لكنها تعني لي الكثير، وأن أتشارك معهم الاستعداد لدخول الشهر الفضيل على عدة جوانب، ومنها الروحية والتذكير بأهمية هذا الشهر من العبادات والتقرب إلى الله وعمل الخير، والصحية والاجتماعية والأسرية ممثلة بلمة العائلة وصلة الأرحام. وقد صدمني أحدهم حينما قال إن كل ما تقولينه بلا جدوى، أنا لا أشعر بأي من هذا. كل شيء بلا روح ولا شعور، وكما قالها: «أنا ما احس إنه رمضان أو حتى عيد، كله عادي»، وهذه كلمات طفل في بداية طريق الحياة.
لماذا لا يشعر أبناؤنا بلذة ما شعرنا به، لماذا كل الألوان في نظرهم سواء؟ ما يثير الغرابة فعلاً أن هذا لم يكن رأيه وحده، فقد سمعت الكثير من الأصدقاء والزملاء يكررون نفس الكلمات. هل لأن كل شيء أصبح في متناول اليد ومتوفر لدرجة أن لذته فقدت، أم أننا عشنا تفاصيل بذكريات تخصنا، وتؤثر فينا، وحدنا.
في الواقع، لم تعد اللمات والجمعات سهلة وبسيطة كما كانت، لأن كل شيء أصبح للصورة، وأصبح صورة بلا طعم، لم تعد لمة الأهل تزينها سفرة رمضان، بل أصبحت الأعذار أكبر من أن تجمع الجميع على سفرة واحدة. وكما سمعتها من أمي، حفظها الله: «تعددت البيوت وكبرت مجالسها، لكنها مهجورة بلا روح». فعندما كانت البيوت أقل وأصغر، كنا نرتص على هذه السفرة الطويلة وتجمعنا الضحكات.
رمضان هو رمضان، ولا يزال الشهر الفضيل بكل فضائله، لكن النفوس تغيرت ومتطلبات الحياة لم تعد كما كانت.
ويبقى السؤال.. يبقى رمضان.. لكن أين نحن؟