الخبز الخمير.. والرأي الفطير..!

ليس النجاح في الأعمال والمشاريع ومختلف المواقف التي يمر بها الفرد مرهوناً بأصالة أفكارها، ومقدار أهميتها، وطبيعة أساليب إنجازها فحسب، ولا حتى بوضع الخطط التي هي بمثابة خارطة الطريق للوصول بالمشروع إلى غايته المنشودة.

إن أي عمل تلازمه - خلال مراحل إنجازه - فترات حرجة؛ يؤدِّي فيها أخذ القرار دوراً مفصليّاً ومصيريّاً حاسماً، حيث يكون ضمان نجاحه من إصابة القرار نفسه، وماهية مصدره، والأهم في ذلك من الوقت المستغرق لأخذه، الذي ينصح الحكماء باستغراقه كاملاً، فنجدهم يشبهون الرأي الذي لم تتمخض فيه الفكرة ليلةً كاملةً بالمولود لغير تمام، وحذَّر بعضهم من الرأي الذي يستعجل المرء في أخذه دون رويّة، فقد سموه بالرأي الفطير، وهو ما أشار إليه أحد الشعراء في قوله:

دع الرَّأي يربو كالعجين مخمَّراً...

فلا خير في الرَّأْي الفطير المعَجَّل

والمفارقة أن مفهوم العجلة في أخذ القرار في عصرنا - الموسوم بعصر السرعة - أصبح نسبيّاً، في وجود برامج الذكاء الاصطناعي، التي تدرس المشروع؛ وتقدّر المآلات، وتأخذ القرارات، حتى قبل القيام من المقام.

ولا ننكر أن بإمكان تلك الأنظمة الذكية أن تساعد بفعالية في المشاريع الفنية والهندسية والوظيفية. غير أن الأمر - عند التأمل - يبدو أكثر اتساعاً من هذا، فإذا كانت الحياة -كما قيل: - «مجموعة من المحاولات»، فهي أيضاً مجموعة من القرارات؛ لأنها تخترق حياة الإنسان النفسية والاجتماعية والدينية والفكرية؛ لتشكّل بنية لها خصوصيتها، تفتح للإنسان - في حياته الخاصة والعامة - آفاقاً من المساءلات الهادفة المصيرية، على غرار ما أورده شكسبير في رواية هاملت - على لسانه -: «أكون أو لا أكون.. تلك هي المشكلة!» فتتفاقم حتمية القرار، وتتضاعف أهميته، وتخفت معها أنظمة الذكاء الاصطناعي، والدراسات النمطية الموجهة، لينفتح الفكر على خبراته الإيجابية وتوقعاته السّلسة الواعية؛ البعيدة عن العبث والعشوائية، من خلال ما يكتسبه من ثقافة التّؤدة والتمهّل والتريّث، ومهارة الفراسة وحسن التقدير، ومشاورة أصحاب الآراء الحازمة، والأفكار الرصينة، التي تميز بين الخبز الخمير، والرأي الفطير!

الأكثر مشاركة