حياك يا رمضان..

ضيفنا الكريم، ضيفنا العزيز على الأرواح والقلوب، الضيف الذي منذ نعومة أظافرنا نشأنا وتربينا، بل وفطرنا على انتظاره، بكل شغف وحب ولهفة للقاء، كل تفاصيل مرت بنا خلاله ومعه تفاصيل لا تنسى، عميقة ومحفورة في الذاكرة، كيف جمعنا، كيف قربنا، وكيف رسم الابتسامة على ملامح الصغير والكبير.

حياك يا شهر الصيام، حياك، فقلوبنا وأنفسنا تنتظرك، في سباق الحياة. يمر الكثير علينا، والآن هو الوقت المناسب لنا جميعاً لإعادة شحن الجسد والروح، ففضائل الصيام كبيرة وعظيمة على صحتنا، فالعديد من الدراسات العالمية أثبتت فوائد الصوم على كل خلية في هذا الجسد الذي ينفض ويخلص نفسه من كل أنواع السموم.

لكن الأهم هو نحن وقرار واختيار نتخذه للاستفادة من هذا الوقت الثمين، وترتيب أسلوب حياتنا الصحية والنفسية والمجتمعية، معظمنا ينوي دوماً تغيير شيء ما في أسلوب حياته، لكن يبقى تأجيل تنفيذه عائقاً لتحقيق الهدف. والآن هو الوقت للتنفيذ واتباع خطوات صغيرة مستمرة تجعل هذا التغير يصبح أسلوباً لحياتنا التي نريد.

وعلى الرغم من اختلاف الكثير من مظاهر هذا الشهر الفضيل كالمغالاة في كل التجهيزات المادية له، بداية من تفاصيل المنزل، الطعام وموائده، الملابس والمناسبات والتجمعات (الغبقات)، وغير ذلك الكثير، أصبح البعض لا يبالي سوى بهذه المظاهر التي تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً محورياً في نشرها بين المجتمعات، لكن لا يعلم البعض أن تأثيرها من جانب المقارنات كبير جداً، فلسنا جميعاً قادرين على مجاراة هذا السباق. إلا أننا أحياناً ندخله من طريق أو آخر، لكنه يبقى عبئاً وهماً وحزناً على قلب أب أو أم أو طفل يعيش في ظروف أصعب من أن يوفر ما يتطلب هذا السباق، الذي نسي فيه متسابقوه أن رمضان هو وقت أعمق من هذه القشور والمظاهر الخارجية. فهو وقت أثمن من أن يضيع دون أن نعيد الترتيب الحقيقي لأنفسنا.

فالقلب والروح يشحنان بالقرب من العبادة الحقيقية والاجتهاد بها، وتلك العلاقات التي أصبحت بعضها أو جميعها عبر الأثير، ومن خلال شاشات حان وقت أن نرويها من جفاف البعد والانقطاع. رمضان قيم حقيقية وأخلاق، ومن خلالنا ننقلها لأجيال اليوم أبنائنا، فهم أمانتنا، وهذا يكون بسلوكنا الحقيقي وتصرفاتنا.

هناك موروث وعادات وتقاليد تجري في دمائنا فلنحيها ونعِشها اليوم على أرض هذا الوطن الحبيب مع كل قاطنيه من كل أرجاء العالم. ولا يعني أن نحرم أنفسنا من أن نعبر عن فرحتنا باستقبال ضيفنا، لكن باعتدال وبدون تكلف.