اتصل بي منذ فترة قصيرة أحد أصدقائي وأخبرني عن أزمة نفسية يمر بها، بسبب خذلان أحد معارفه له، وكان ينعت ذلك الشخص بالـ "مصلحجي"، بمعنى أنه إنسان يريد فقط أن يقضي حاجته ويرحل، وبالتأكيد كان لمواقع التواصل الاجتماعي الحيز الكبير في مساعدة صديقي في التعمق بالدخول في تلك الأزمة النفسية، من خلال مقاطع الفيديو الحزينة المنشورة والكتابات والعبارات التي تحمل الكثير من التشاؤم عن الخذلان والرحيل. ولربما مرَّ أغلبنا بعلاقة، حيث الطرف الأول يعطي ويخدم، والطرف الآخر يتلقى دون أن يسهم في تعزيز العلاقة.
لكن دعونا أولاً نتحدث وبكل شفافية عن معنى التسامح الحقيقي.. هل التسامح أن يتقبل شخصٌ الآخرين بالرغم من أطيافهم المختلفة، وأن يكون غير عنصري باتجاه دياناتهم وانتماءاتهم، أم أن للتسامح معانيَ أعمقَ وأسمى من ذلك؟
بالنسبة لي فإن التسامح يفترض أن يبدأ أولاً بالتسامح مع الذات قبل أن نقوم بتطبيق مفهوم التسامح المعروف بيننا.
في الحوار الهاتفي الذي دار بيننا، أخبرته بالطريقة المثلى التي تمكّنه من الخروج من الأزمة النفسية التي يمر بها، وهو أن يطبق مبدأ التسامح الذاتي، وأساس ذلك أن يعتبر كل إنسان يعبُر في حياته ويطلب منه خدمة ما، سواء كانت مدة العلاقة قصيرة أم طويلة بأن يقوم بهذه الخدمة بكل سعادة وإخلاص، ولو تركه الطرف الآخر سواء بسبب وجيهٍ أم لا، كل ما عليه فعله هو الاقتناع بأن الله سبحانه وتعالى كان يريد أن يسخره لأولئك الناس، وليس هناك إنسان "مصلحجي" في هذه الحياة، إنما هناك أُناس اختارهم الله، عز وجل، وسخرهم لقضاء حوائج الآخرين وخدمتهم، وبهذه الطريقة يمكننا جميعاً أن نتخلص من أي ضغط قد يرافقنا عند رحيل أشخاص تفانينا في خدمتهم، وبعكس ما قد يفعله الأغلب منّا، وهو محاولة النسيان، وعلينا أن نتذكر أننا أشخاصٌ فعلنا الخير لغيرنا من دون الانتظار لرد الجميل.
وهنا أستذكر ما قاله طاووس بن كيسان، وهو من كبار التابعين، عندما قال: "إذا أنعم اللهُ على عبد نعمةً، ثم جعل إليه حوائج الناس، فإن احتمل وصبر، وإلا عرّض تلك النعمة للزوال".