العنوان قد يكون غير جذاب لكم، ربما يكون ذلك لكمية الطاقة السلبية التي تنبع منه، فينفر الناس عن قراءة المقال، ولكني لا أؤمن بالمثل العربي الذي يقول: "الكتاب يبين من عنوانه"، وإنما قد أكون أقرب للمثل الغربي المعروف: "لا تحكم على الكتاب من عنوانه".

تتفاوت الأمثلة بين المشرق والمغرب، وليست الأمثلة فقط التي تتفاوت، إنما أفكارنا وحياتنا بكل جوانبها، وذلك طبيعي جداً، لأننا -نحن البشر - تكون أفكارنا ومبادئنا وليدة البيئة التي ننشأ فيها والتجارب التي نمر بها، ولكن التعايش مع بعضنا البعض مهم جداً لاستمرارية الحياة السليمة بتسامح ديني وعرقي، وهو ما دعت إليه الديانات السماوية كافة.  

 بعيداً عن ذلك، حديثي اليوم سوف يركز على الفراغ الإرشادي الذي نواجهه خلال مرحلة ما قبل الدراسة الجامعية، والذي يترتب عليه إما فشلاً أو نجاحاً مستقبلياً. وهنا أستطيع أن أجزم بأن الغالبية العظمى منا عند اختيار تخصص جامعي بعد إنهاء المرحلة الثانوية، لا يعرفون مدى أهمية اختيار التخصص الدراسي، وحتى بعد اختياره لا يعرفون ما هو مستقبل هذا التخصص واحتياجاته في سوق العمل وتناسبه مع المهارات المطلوبة.

وبعض الأمثلة التي يمكنني طرحها عندما ترون شخصاً اجتماعياً من الدرجة الأولى، ودائماً نراه متجدداً، ويولّد أفكاراً إبداعية، يتخرج في الجامعة بتخصص مالي بحت لا يحتاج إلى أي إبداع، والمسائل الواردة تكون عادة على نسق 1+1 يساوي 2، عند دخول هذا الشخص إلى مجال العمل، نلاحظ بعد فترة أنه سئم من الوضع الذي يمر به في بيئة عمله، وهو منغمس في مسائل الرياضيات والأرقام، ويبدأ الشغف الوظيفي بالانهيار حتى يصل إلى انعدام الإنتاجية في العمل. وأساس هذه المشكلة عادة يكون بسبب اختيار التخصص الدراسي الخطأ، وفي بعض الأحيان ينعكس ذلك بشكل بارز في أواخر الأعوام الدراسية، أي في الوقت الضائع.

والآن سوف أعرض لكم أبرز السيناريوهات التي تنطبق على خريجي المرحلة الثانوية:

أول سيناريو عندما يقوم الخريج باختيار تخصص بناءً على رغبة أفراد عائلته، من غير أن يعرف إذا كان ذاك التخصص يتناسب مع قدراته وشخصيته أم لا يتناسب معه، وهنا من المفترض أن يكون دور العائلة هو الاستشارة والإرشاد فقط، وليس فرض وتطبيق الرأي. أما السيناريو الآخر فهو اختيار تخصصات بناءً على المنح الدراسية المموّلة لدراسة الطالب سواء في الخارج أو الداخل، فيقوم الطالب برؤية التخصصات المتاحة، ويختار الاسم البارز والرنان من بين هذه القائمة.

وهنا يأتي الدور الأهم للمؤسسات التعليمية سواء أثناء الدراسة الثانوية أو الجامعية، والتي من المفترض أن تعيّن مستشارين ومرشدين للطلاب لتوجيههم وإرشادهم إلى التخصصات المتوفرة، موضحين نسبة تقارب المهارات مع شخصية الطالب، من خلال طرق تحليلية تسهم في توجيهه للتخصص المناسب.

وختاماً لا يكون الفشل دائماً حليفاً لهذه الاختيارات الخاطئة، فقد يلعب الحظ دوراً رئيساً في مثل هذه المسائل.

إن اختيار التخصص الدراسي المناسب سوف يسهم في إنتاج كفاءات وكوادر وطنية قادرة على لعب دور أساسي في نهضة دولتنا ومستقبلها.