راجت في الآونة الأخيرة قنوات عبر منصة "اليوتيوب" تابعة لأشخاص يعملون في قطاع القضاء والقانون، وبرزت هذه القنوات بقضاياها التي سُرِدت مراراً عبر وسائل الإعلام التقليدية، ولكن لم تحصل على صداها بسبب توجه الأجيال الحالية إلى وسائل التواصل الاجتماعي.

لا أخفيكم أن بعض هذه القضايا قد تكون حساسة نوعاً ما، والبعض منها يحتوي على قصص قد تصيب الشخص بالرعب بسبب الخبايا والمحتوى المخيف فيها، لكنني كنت دائماً أتساءل، هل يحق لهؤلاء الأشخاص نشر مثل هذه القصص مع التحفظ على الأسماء؟ وهل التحفظ يفيد بأن لا يتم انتهاك خصوصية المجني عليهم أو المتهمين والنبش في ماضيهم حتى لو تغيروا إلى حالٍ أفضل؟

أنا أؤمن بأننا نعيش في بيئة ساد عليها إطلاق الأحكام، ولدينا سخاء بأن نصف شخص معيّن بسبب موقف واحد فقط، وتعميم هذا الموقف على ما تبقى من حياته وسمعته.  ولا نكترث لذلك حتى يصل إلى "بيت الشعر"، أي أحد أقربائنا.

أما من هم خارج نطاق الأقرباء، فنقوم بتسليط الضوء على نقائصهم إذا مررنا بموقف واحد معهم، والبعض يقوم ببناء هذه الأفكار بسبب أحاديث جانبية سمعها في أحد المجالس، ويكون سفيراً لسمعة الناس دون دراية بصحة معلوماته أو الانتباه إلى أن ما يقوم به قد يدمر الغير نفسياً إذا وصله "القيل والقال"، أو أن يهدم بعض العلاقات قبل أن تبدأ

والجانب الآخر من هذا الموضوع، والذي غفلنا عنه كثيراً، هو تذكر الماضي دون الرجوع للحاضر، فالكثير منّا، نحن البشر، من الطبيعي أن يقع في أخطاء وزلّات، والتعلم من هذه الأخطاء هو الصواب.

ولكن، هل يعقل أننا لو تطورنا ووصلنا إلى ما قد نصل إليه من تغيير جذري في حياتنا، أن يبقى الناس من حولنا ينعتوننا ويتذكرون الماضي فقط؟ وأن لا يقدروا مدى التغيير الذي طرأ في حياتنا؟ المحايدة والتوازن أمران مطلوبان في التعامل مع الآخرين، وإرساء المعتقدات والأفكار عن الغير من دون وعي، أمر في غاية الخطورة، ويجب علينا دائماً أن نتذكر أننا الأشخاص المخطئون لإطلاق الأحكام على غيرنا، فنحن ما زلنا نخطئ، ما زلنا نتعلم، مهما كبرنا. وإذا لم تكن الأحكام ذات أهمية في الحياة، لما وجدت أية محاكم حول العالم.

ختاماً، لعل المقالات التي أكتبها قد تكون مليئة بالأسئلة، وهذا هدفي من كل مقال، أن تقوموا بالتفكر والتدبر لما تفعلونه أو تعتقدون به، بعيداً عن توافقكم الفكري معي سواء كنتم تؤيدون أفكاري أم ترفضونها، فالأخذ بالأسباب في حياتنا مهم جداً، وكثيراً ما نقوم بفعل شيء أو الاعتقاد به بسبب أفكار شائعة لدينا حصدناها من البيئة التي ننتسب إليها، دون الرجوع للواقع الراهن الذي نعيشه!