جميعنا يمرّ بعلاقات تنقطع، بسبب حقد أو كره الآخرين، والبعض قد ينهي علاقاته، بسبب أقاويل الناس التي قد يخترعها البعض فقط، لأنهم لا يرتاحون لهذه العلاقات، ولعلها تعود كما كانت لأن أحد الأطراف اعتذر من الآخر، ولكن هنا نأتي إلى جزئية مهمة جداً قد نكون غافلين عنها. 

هل يعني الاعتذار بأن نصفح عن الآخرين، ونعاود علاقتنا مثلما كانت بهم، وألا نكترث بالعواقب التي قد تتكرر مرة أخرى بالأخص عندما يكون الطرف الآخر هو من بدأ بالقطيعة ولم يبرر لك؟ 

نحن- الشعوبَ العربية- يعتبرنا المختصون بدراسة التاريخ شعوباً مرهفة الإحساس، وتجذبنا مشاعرنا الجياشة إلى اتخاذ مواقف لربما لا نكون واعين لها.

وأحد أبرز الأمثلة التي قد أطرحها كوننا شعوباً شاعريين بالفطرة، هي جنازة الراحلة أم كلثوم، ففي عام 1975، شيّع أكثر من 4 ملايين شخص جثمان الراحلة أم كلثوم ووصفت جنازتها بأنها ثاني أكبر جنازة على مرّ التاريخ، وضجت الشعوب العربية عندما تم إعلان خبر وفاتها في إذاعات الشرق الأوسط. ولا تستغربوا لو قلت لكم إن أكبر جنازة على مستوى التاريخ من حيث عدد المشيّعين كانت للرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، بحيث التف حوّل جثمانه أكثر من 5 ملايين شخص، وتابعه 350 مليون شخص عبر شاشات التلفاز.

وهذا إن كان يدّل على شيء، فإنه يدل عن مدى شاعرية الشعب العربي، ومن الممكن أن يخالفني البعض الآن بأن ذلك يمثل شاعرية الشعب المصري فقط، ولكنّي أؤكد لكم أن جميع الشعوب العربية تأثرت بوفاة جمال عبدالناصر وكوكب الشرق أم كلثوم، واسألوا من حولكم من كان شاهداً على هذه الأحداث.

ولو لم نكن أصحاب مشاعر جياشة، لما وصل صيتهم إلى الأجيال الحالية، ولما عاد الناس يستمعون إلى أغاني أم كلثوم الطويلة، التي تمتد لأكثر من ساعة كاملة ونصفها عبارة عن ألحان.

عودة للموضوع الرئيسي، لا تجعلوا مشاعركم هي من تتحكم بأهوائكم، بالأخص في العلاقات، فالمنطق عادة ما يناقض مشاعرنا، ولكنه يكون صحيحاً وصائباً بنسبة أعلى، وعودتنا لعلاقات انقطعت تشكل تهديداً بأن تتكرر الانقطاعات بالأسباب والمشاكل نفسها.

وأود أن أوضح لكم أنني لا أحرّض على عدم التسامح والصفح عن الآخرين، ولكني أؤمن بأنه لو عادت المياه إلى مجاريها، فستكون مياهاً غير صالحة للشرب!