تقول إحدى الخرافات إنه في ديسمبر تتحقق المعجزات أو الأحلام، ورغم عدم إيماننا بالخرافات فإن تحقيق المعجزات والأحلام في حياتنا يمكن أن يصبح حقيقة عندما نسعى لها ونؤمن أنها ستصبح واقعاً بإذن الله.

وعلى غرار المثل أعلاه، فيمكن القول إن في مارس تتحقق الأحلام منذ اللحظة التي أصبح فيها شهراً للقراءة بهدف تعزيزها كمهارة وعادة يومية لدى كل أفراد المجتمع الإماراتي، ومنذ اللحظة التي قام فيها العديد من الأفراد والمؤسسات بتنفيذ الورش وتبادل المعارف والخبرات ومناقشة الكتب وأسماء المؤلفين وكبار الكتاب حتى أصبحوا جزءاً من حياتنا اليومية.

في هذا الشهر تحديداً، يصبح الهواء برونق ورقي، وطعم القهوة بمذاق فاخر، ويعود المرء في لحظة إلى رغبته الفجة بأن يصبح بين كتب ودفاتر وغبار غير عابئ بأي نوع من أنواع التكنولوجيا التي أدمنها طوال العام، ليضع خطة قرائية جديدة تتناسب مع معارض الكتب التي تقام على مدار العام مهتماً بميزانيته التي يجب أن تكون بالمستوى المطلوب لتمويل عشقه للقراءة!
إن قدرة الإنسان على القراءة بمثابة قدرته على ريّ صحرائه التي يدرك يقيناً بأنها ستكون واحات غناء في المستقبل القريب، ثم تأتي قدرته على الكتابة لينقل تلك الواحات إلى صحراء غيره من البشر وهكذا دواليك.

الكتابة معجزة عظيمة، تظن أنها تتحقق بمجرد حركة يديك وتركيز عينيك وعقل يتأرجح بين الشرود والحضور، إلا أنها معجزة تتحقق بأفضل صورها بحضور كل خلية في جسدك، قلبك، روحك، عقلك وتكون بذلك في أفضل حالاتك لتكتب شيئاً مذهلاً يصنع فرقاً في مشاعر قارئك مهما كانت حالته.

تلك الموهبة ستبقى الأكثر إعجازاً على الإطلاق لأنها إحدى أهم سبل التواصل البشري في أجمل صوره والتي يبوح المرء من خلالها عن خلجات نفسه، وينقل من خلالها العلوم التي درسها، كما أنها أسلوب الاتصال الأمثل بين عقلٍ واحد وملايين العقول على وجه الأرض – إن أراد ذلك – وهي الطريقة الأولى التي يلجأ إليها خبراء علوم النفس وموجهي السلوك لعلاج الحالات التي لا تملك القدرة على التعبير الشفهي في أغلب الحالات، والتي يلجأ إليها المحب الخجول في التعبير عن مشاعره، والمخطئ الباكي للتعبير عن أسفه واعتذاره، والطالب المتفوق ليشكر معلمه، والصديق الوفي لإهداء صديقه، والإنسان الذي يدرك أن للحياة نهاية مطافٍ فيستخدم هذه المهارة في كتابة وصيته.

«الموهبة المعجزة»، هكذا قررت أن اسميها لأنها قلما تصبح صنعة متقنة لأحدهم، ولأنها ليست باباً للشهرة، كما يظن البعض، أو طريقاً للوصول إلى السجادة الحمراء، كما يرسم البعض الآخر.. إنها الموهبة التي حباك الله بها لتصنع بها فرقاً في الأفكار والمشاعر بالدرجة الأولى، والتي تنعكس مباشرة على المرء وثقافته وعطائه وأسلوب حياته.. إذاً هي حقاً معجزة لأنك إذا ملكتها، ملكتَ الحياة!