يحق لنا جميعاً تبني أفكار معينة وتطبيقها، سواء على المستوى الشخصي أو المهني، ولكن هل من المنطقي بأن نجزم برأي معين ولا نغيّره مهما كشفت لنا الأيام أن أفكارنا قد تكون غير صائبة، وهل التراجع عن أفكار قد تبنيّناها سابقاً يسبب لنا الإحراج؟
اعتدت على الدخول في نقاشات منتجة مع الأشخاص الذين أجلس معهم أو أحاورهم في مكالمات هاتفية والحديث في مواضيع متفاوتة، مما يساعدني على فهم فئات المجتمع المختلفة بتنوّع البيئة التي يعيشون فيها، والأحداث التي تعكس شخصية كل فرد منهم. ولفت انتباهي إصرار بعض الأشخاص على أفكار معينة وتراجعهم في وقت لاحق عنها لأسباب مختلفة، منها التراكمات والترسبات الاجتماعية التي أسست بعض المعتقدات والأفكار الرجعية، والمواقف التي أدت إلى التنازل عن بعض الآراء.
لكن ما يحزنني هو رؤية بعض من أبناء جيلي وغيرهم عند تبنيهم لأفكار معينة أو معتقدات رجعية، ويصرون على مواقفهم فيها، وينتهجون منهجية «الدوغماتية» وهي حالة من التزمت الفكري والجزمية بأفكار معينة وانعدام المرونة في تغيير بعض المعتقدات، حتى لو كشفت لهم حقائق مناقضة لأفكارهم، فيحاربونها بإصرار لا يمكنكم تخيله. مثل هذه الحالات ناتجة من قلة وعي في المرونة الفكرية مما تساهم في تدمير الإبداع بداخل كل شخص ينتهج «الدوغماتية» في حياته، ويبقى هذا الشخص في المجتمع مثل الحجر المتعثر، مهما حركته الرياح وتفتت من الارتطام فلا قيمة له.
علاوة على ذلك، خذوا هذا المقال من باب الطرح لا النصح والتوجيه. عند مناقشة أفكار معينة فمن غير العادل بحق الشخص أن يجزم بفكر أو معتقد معين، بحيث إنه يجب علينا إفساح المجال للتراجع في وقت لاحق، لأن الإنسان يتطوّر في حياته، والتطور والتغيير تربطهما علاقة طردية حتمية.
ولمواكبة التطوّر الفردي فمن المستحيل ألا تتغيّر بعض المبادئ والأفكار مما يتناسب مع هذا التطوّر ويكشف بعضاً من الأمور غير الصائبة أو السويّة في حياتنا.
لذلك كوننا أفراداً نودّ بأن ننتج في مجتمعاتنا، يجب علينا ألا نجزم بأفكار معينة، وألا نتزمت بوجهة نظر قد تكشف لنا الأيام أننا لسنا على الصواب، بالأخص عندما نتبنى رأياً لا يكون مدعوماً ببراهين وإنما بمواقف قد تدحضها مواقف أخرى، فإذا كانت لدي كلمة أخيرة أوجهها لقريب أو صديق أو قارئ عزيز، فهي «لا تنتهج الدوغماتية في حياتك قطعاً، وافسح لنفسك مجالاً للتراجع مستقبلاً!».