خزعبلات التطور

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مجتمعاتنا التي تسودها أنماط مختلفة من الحياة، والتي بعضها لا يتناسب مع أعرافنا وتقاليدنا ولا يمت بصلة لديننا، وبعضها الآخر محض كذبة يعيشها ويتعايش معاها بشر أصبحوا كالضباع تلهث وراء الشهرة وحب المال، فكان لا بد لهم أن يتقنوا أدوارهم، فصوروا لنا الحياة ببذخٍ ورفاهيةٍ لا تخطر على البال. كان للتطور المذهل الذي نعيشه شحنة معارضة أصابت بعضاً من سكان هذه الأرض المسكينة، فخرجوا علينا من العجب بأفكار وعادات لم نستطع استساغتها!

في مجتمعاتنا المعاصرة الحديثة هؤلاء واكبوا التطور بصورة عجيبة عجزنا عن أن نفهمها، فرفعوا أصواتهم بجملٍ قد حفظوها عن ظهر غيب ليدحضوا الانتقادات التي طالتهم بقولهم: «الدنيا تطورت» أو يتهموننا بأننا ذوو «العقول القديمة».

نعم عزيزي المتطور «الدنيا تطورت» وكان لزاماً علينا أن نواكب هذا التطور لأسبابٍ منطقية وذات منفعة على الجميع، كان لزاماً أن تتطور سبل كسب المعيشة الكريمة، وأن تتطور عقولنا بالعلم والمعرفة التي تدر علينا حلولاً لمشاكل استعصت علينا منذ قبل، لنبتكر أموراً تسهل علينا الحياة كالرعاية الصحية، والنفسية، والعلمية.

نعم عزيزي المتطور «الدنيا تطورت»، ولكن لم ينص بند التطور على التطور المختلف كُلياً عما تعلمناه وتربينا عليه. أو أن تعتنق أفكاراً تُناقضُ مجتمعنا. لا يكون التطور بالعادات الدخيلة التي لا تُناسب مجتمعنا ولا بفرضها علينا وفرض تقبلها بحجة التطور.

لا تنص بنود التطور على الملابس القصيرة، ولا حتى حفر جلدك بالوشم فتلك حماقة لا يجدر التباهي بها أمام الجميع، وأخص بتنبيهك بأنه ليس واجباً عليك أن تتطور من إنسان ميزه الله بالعقل وخصه بدينه وفطرته، لتتحول إلى إنسان بشخصية وعقلية وأسلوب عيش لا يشبه الصورة الأصيلة عنه.

تطورك يجب أن يكون لصالحك ولصالح دينك، وأسرتك ومجتمعك ووطنك، أن تكون سبباً في تقدم ونهضة وطنك، أن تحافظ على فطرتك سليمة وعاداتك وتقاليدك رغم كل مغريات التطور وبما يصب في منفعة تلامس الجميع.

تقدم وتطور المجتمعات وتطورك يكمن في ثباتك على ما تربيت عليه، والتمسك بها رغم قوة رياح التغيير وسرعتها، فأنت مسؤول عن كل صورة يتم تصويرنا بها كمسلمين وعرب، لا تجري خلف تفاهات بعض المشاهير وما يزعمونه ولا خلف آراء بعض من يروننا نحن العرب جهلة وأميين، مغلولين بسلاسل العادات والتقاليد التي يزعمون بأنها تمنعنا من العيش بكل حرية.

أنا لا أحرض على التمسك بالمعتقدات والتقاليد الخاطئة، ولا حتى ضد التطور والتقدم الذي فيه نفع ومصلحة، إنما ما أقوله أنه يجب عليك أن تفرق بين التطور المطلوب والنافع، من الآخر الذي يجعلك لا تدرك حتى قيمة نفسك ولا هويتك، خذ ما ينفعك.

وبما أن قادتنا دائماً القدوة والمثل الأعلى لنا، أختم بقول صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان: «ما من أمة تسعى لأن تحتل مكاناً مرموقاً ومتميزاً إلاّ وأولت العملية التعليمية والتربوية اهتماماً بالغاً، تستطيع من خلالها بناء جيل واعٍ متمسك بثقافته، وقيمه، وتقاليده أولاً، ثمّ قادر على التكيف مع تطورات العصر، ومعطيات التكنولوجيا الحديثة ثانياً».

 

Email