البعض يعزف على الأوتار سيمفونية عنوانها «الدوغماتية» ويندمج فيها حتى يصاب عقله بترهل شديد يجعله يخلط بين آرائه والحقائق المطروحة أمامه على طاولة النقاش. ورده التلقائي المعروف حينما يواجه حقيقة ما «لا تتفلسف علينا» وهذا التصرف يعد من أسوأ التصرفات والسلوكيات التي من الممكن أن تضع عقل الإنسان في حالة من الجمود والتعصب لفكرة معينة مع عدم الرغبة في الاستماع للأطراف الأخرى حينها يتطلب أن يخضع العقل لعملية جراحية يتطلب فيها إزالة الأفكار الخرافية والمعتقدات الانحيازية التي سيطرت عليه في تلك الحقبة من الزمن وإلا سيصاب بنزيف حاد وتنقل تلك الحالة إلى العناية المركزة ليتم التدقيق فيها جيداً ويكتب عليها «حالة حرجة جداً».
من المؤسف أن هذه العقلية الخطيرة بدأت تنشر أشواكها السامة شيئاً فشيئاً، إذ إن تلك الفئة تظن أنها من «مكتشفي الذرة» حتى أصبحت الجدران في تلك اللحظة تتحدث. يتلاعبون على أنفسهم متماشين على مبدأ «الضحك على الذقون» وهم لا يعلمون أنهم أصبحوا مادة للضحك حينما يسكتون الطرف الآخر موهمين أنفسهم أن لديهم ما يكفيهم من الأجوبة النهائية عن كل الأسئلة. يا للعجب كأننا نرى السيناريو يعيد كتابة نفسه مرة أخرى بنص محفوظ وإجابات جاهزة هدفها إحباط الرأي الآخر حتى يبقى رأيهم في خانة «القوة والثبات». بعض النقاشات يأخذونها على محمل الشخصنة حتى يتم إنهاء النقاش بأسرع ما يكون. ومن الغريب في هذا الموضوع أنهم يوهمونك بالمنطق وهم لا يعلمون به مقدار ذرة ولو بيدهم لوضعوا شريطاً لاصقاً على أفواهنا حتى لا نعوّق مرحلة العجز الفكري التي أصابتهم في عقولهم.
أثر داء الدوغماتية في المجتمعات كثيراً، حتى أصبح البعض يعمل على سحق الآخرين متيقنين من أنهم وحدهم من يستحقون العيش على الأرض، وهذا من نتائج الفكر المتحجر الذي لا يعطي مجالاً لسمعه أن ينصت للحقائق والأفكار الأخرى. النرجسية التي تعتليهم جعلتهم يعيشون في عالم آخر، نحن نراهم نسخاً مكررة من بعضهم ويعيدون تكرار القصة نفسها.
إدخال مادة الفلسفة والتركيز عليها في مختلف المناهج الدراسية سيشكل نقلة نوعية في بناء العقل البناء القادر على تقبل آراء الغير من دون وضع أي قيود أو حواجز ومن خلاله نستطيع أن نلقي الأضواء على العقول المظلمة ونعالج بعض الأورام التي قد تصيب البعض من مثل الجمود والتعصب والدوغماتية.
«الدوغماتية» تصيب البعض بالعمى حتى يصبح لا يرى العالم إلا من زاوية واحدة، فلا تبنِ لنفسك حاجزاً يجعلك مستقبلاً تكتب على جدران الزمان «لم يقتله أحد، بل أصاب نفسه بنفسه».