أيا دمعاً فاض على خد شفشاون، قل للزمان هل سينسينا ألم الفقيد إذا رحل؟ أيبكي العالم كله في آن واحد؟! وتجف الأعين وتتساقط أوراق الربيع، حتى تخطف بهجة المكان بغتة، وتتمايل الأغصان وتنوح الصخور قائلة: وكأن العالم كله سقط في تلك الحفرة، حتى أصبح الجميع يشعر بالظمأ، ومن يروي العطشان وهو في قاع الأرض؟ ريان، هل لك سر عند الله، حتى تجمع الأمة العربية كلها ثم ترحل؟ 5 أيام قضاها ابن الـ 5 أعوام، وهو في ظلمة البئر، تلك الأيام عددناها سنون وأعواماً، ونحن ننتظر خروج البطل المغوار، حتى يحكي لنا لاحقاً، أن الأطفال يمكنهم نقل رسائل وعِبَر، لم يستطع الكبار شرحها يوماً ما، أفصحت حكاية ريان أن الإنسانية ما زالت على قيد الحياة، وفي القلوب إليك يا ريان شوقاً، تزول الراسيات ولا يزول، ذلك الشوق والحنين إليك يا فقيداً، لم ولن تنساه الأمة بكاملها.

أصبح العالم كله فارغاً من بعدك، وكم من منزل به ريان فاضت عيناه في بئر الحزن والشجن، وكأننا في تلك الليلة فقدنا جميع أطفالنا! في رثائك تختنق الأقلام، وتنزف دماً، وفي غيابك أصبح العالم بكامله أعمى، وكأننا نعيش حزن أم فقدت في أحشائها جنين بات يتمسك برحم الأمل، ولكن مشيئة الله فوق كل شيء. لا تمر من أذهاننا صورة كتفك المائلة، وحينما يميل رأسك يميل العالم كله معك! بح صوتي وأنا أتخيل ما تراوده في ذاتك في تلك اللحظة، هل كنت تقول: أنقذوني، دفئوني، أزيحوني من غربة ذلك المكان؟ ألا تعلم يا فقيدي، أنك أنت نور في وحشة الليالي، رحلت عنا، وبقينا نحن وحدنا في الظلام الحالك، ظلمة تحيط بالسماء، والظلمة الأخرى هي التي سيطرت على قلوبنا يوم رحيلك عنا. لله درك يا ريان، رفضت أن تبقى أحلامك محبوسة في حفرة، وقاومت، وأعطيت للعالم كله دروساً عن المقاومة، لكن مشيئة الله تعلو فوق كل شيء. كم انهمرت أعيننا بالبكاء، حينما كانت لحظة اللقاء هي لحظة الوداع ذاتها، وكأن شعار تلك الليلة الحزينة «أمل ثم ألم». علمتنا يا ريان، كيف نكون أمة واحدة وقت النائبات، ونسعى معاً لحل المعضلات. أردنا أن تكون في نور الدنيا، والله أرداك أن تكون في نور جناته.. رحيل ريان، كشف لنا عن خبايا بعض أجهزة الإعلام في استغلال الحادثة في سبيل «لعبة المشاهدات والأرقام»، ويحاً لتلك الفئة، يستغلون مشاعر الناس في سبيل الشهرة. هل هذه أخلاقيات المهنة التي نعلمها؟! سؤال عليه 1000 علامة استفهام!

وداعاً يا ريان.. ها قد حانت لحظة الوداع، تركت قلمي هنا وقلبي معتصراً من الأسى، رحلت يا ريان، ولكنك تركت فراغاً كبيراً، لن تملأه أي مفردات. رسالة من أطفال العالم، حملها ريان معه، وهي: ألّا ندع الزمان يقسو على تلك الأرواح البريئة، ولا يخدش ملامحهم الجميلة، فمعاً نستطيع أن نكون بر الأمان لمن ليس له أمان.. فكم من ريان الآن في العالم، يحتاج منا أن نحتضنه، ونزيح عنه رداء الخوف والحزن. هنا، تنبري تلك الأبيات قائلة: ورجوت عيني أن تكف دموعها.. يوم الوداع ناشدتها لا تدمعي.. أغمضتها كي لا تفيض فأمطرت، أيقنت أني لست أملك مدمعي. 

إلى ريان:

ارقد بسلام أيها المحارب الشجاع، سوف يظل اسمك يتردد في أذهان العالم بأجمعه.