من يشب النار لا يضيق من دخانها، فهناك من يلعب على الحبلين، وهناك من يزيد النار حطباً حتى تشتد وتقلب الأمور رأساً على عقب! يبدلون جلودهم كل ثانية على حسب المرحلة، ويميلون حيثما تميل بهم الرياح، فهم بالأساس يتقمصون شخصيات عديدة حتى لا تنكشف نواياهم الخبيثة المحقونة بالتناقض والازدواجية الغريبة التي تجعل البعض يستمر بالتطبيل لهم، والآخر يصمت حتى يتم اكتمال المشهد المنتظر، تلك الفئة تكون أقوالهم كالسنديان وأفعالهم في الحضيض!
عن التناقض بين القول والفعل نتحدث، هذا التناقض الذي يسيطر على البعض يجعلهم يرون أنفسهم بين ناطحات السحاب وأفعالهم ركام متناثر، هؤلاء في حالة من التناقض الفكري في سطور لم تكتب بعد، وبين أقلام متخبطة لا تستطيع وصف المفارقة بين أقوالهم وأفعالهم المتناقضة، صدقوا حينما قالوا شتان بين الثرى والثريا وهيهات أن يتساوى السفح مع القمة!
والغريب في هذا الأمر أنهم متناقضون ويكتبون عن التناقض! أيا ترى ألا يملكون مرآة تعكس صورتهم الحقيقية أم أن مرآتهم متهشمة مثل عقولهم الباطلة؟! التناقض الفكري جعلهم يمارسون الازدواجية ببجاحة لتحقيق مصالحهم ورغباتهم!
يا للعجب! نراهم يتحدثون عن حرية الرأي والمنطق وهم بحد ذاتهم يضعون أصفاداً لكل من يناقض فكرهم المتخلف! تلك الفئة بالذات يختارون كلماتهم بعناية حتى لا يسقطوا سهواً في خندق الحقيقة، يختارون خطاباً لافتاً حتى يتم التصفيق لهم، ويشعرونك بأنهم ملاك سقط على كوكب الأرض، وحينما تختفي الأضواء يأتي الفاصل الإعلاني «عدنا إلى كوكب زمردة»! شيء مضحك حقاً أن نرى صور التناقض الفكري ونصمت أمامه!
انتشر مبدأ «مصلحتك أهم عن كل شيء» حتى بدأ البعض يصمت أمام سلسلة من المفارقات والاختلافات حتى لا تتعطل مصالحه ورغباته! قمة التناقض أن ترى الأشخاص يحركون رؤوسهم مشيرين بأنهم متفقون ومتفهمون لذلك المشهد المعروض وفي داخلهم إجابات بقيت معلقة حتى لا يصدر عليها حكم الإعدام بواسطة «مشنقة التوبيخ»! البعض يتجاهل ذلك التناقض الفكري حتى لا يدخل في نقاشات حادة، فتجده يستمر بمجاملة تلك الفئة وفي داخله نار لم يخمد لهيبها حتى الآن.
في عالمنا نشهد كثيراً من قصص التناقض سواء من سلوكيات، مواقف أو مبادئ، ولكن هنا يأتي السؤال إلى متى سوف يستمر هذا التناقض الفكري في السيطرة على عقول البعض؟ هل حينما تبقى سجينة وهي تحت الأنقاض والركام وتنتظر أحداً أن ينتشل جثتها!
نشر الوعي عن تلك الظاهرة قد يساعدنا في تصفية العقول من الداخل، وإلا سوف نستمر في انتشال جثمان تلك العقول التي تشبعت بالهرج والمرج، وأصبح مصيرها كمصير الملفات المهملة التي بضغطة زر انتقلت إلى سلة المحذوفات!