في كل المنشورات التي قرأتها في ذكرى وفاة «بابا زايد»، يستذكر الجميع أين كان في تلك اللحظة، ما الذي حدث؟ كيف تلقى الخبر؟ كم كان عمره؟
كل الأعمار بلا استثناء كانت شاهدة على ليلة حزينة في الإمارات. كنت ابنة 16 ربيعاً تقريباً، نشاهد التلفاز.. تدمع أمي.. ويدخل أبي باكياً، وكانت تلك أول مرة أشهد فيها بكاءه مذ ولدت.
لم يكن عادياً الوالد الذي دخل كل قلب وكل حي. كنا نسكن في منطقة يلعب أبناؤها في الأحياء طوال اليوم، وإذا بهم يدخلون أحياناً مهرولين يصيحون: «شفنا بابا زايد.. توه مر من الشارع اللي عدال بيتنا!» وكنت أقول في نفسي: «يا حظهم» شاهدوا بابا زايد على أرض الواقع ولكنني شاهدته في قلبي!
لم تكن كلمة «بابا» عشوائية أبداً..
بالضبط تعكس شعور الحب الذي يستسيغه الطفل طوال عمره، فظللنا نردد اسمه حباً وشغفاً وانتماءً.. عندما غنينا «يا رب تخلي زايد يا رب تطول عمره، والدنا أطيب والد فقلوبنا عالي قدره» و«الله يا دار زايد كيف محلاها» وغيرها مما شدونا به في ساحات المدرسة وإذاعات الصباح واحتفالات الوطن الذي نحب.
وعندما كنا نستعد لكل حفل وطني لنصنع لوحة فنية تليق بروايات العشق التي نحملها في صدورنا ونبكي عندما لا تحقق توقعاتنا فتعيد «ماما» ترتيبها من جديد بغية رسم ابتسامة على وجوهنا وفرحة في قلوبنا، وفي مخيلتنا وجوهنا التي يملؤها الفخر أمام أصحابنا متنافسين بحبنا لبابا زايد.
في حب زايد.. لا يستطيع المرء أن يفصل بين حبه وحب الإمارات.. هما وجهان لعملة واحدة!
تذكر الإمارات.. يأتي زايد.. تذكر زايد فتأتي الإمارات..
في ذلك اليوم.. قررت أن أبكي لوحدي..
كتبت شعراً ونثراً..
كانت بداياتي في عالم الكتابة، وكأن وفاة بابا زايد كانت فتيلاً أشعل موهبتي.. فكان أول ما أكتبه شعراً وقصيدة في وداعه ومقالات متتالية تروي مشاعرنا الصادقة عبر السنين.. ثم رغبة جامحة في أن نكون جزءاً من مسيرة بدأها يوماً ما لنحافظ عليها بحب وإخلاص، بالعلم والعمل والعطاء بلا حدود!
عندما نتذكر زايد.. لا يكفي أن نعبر عن المشاعر فقط، نحتاج لوقفة صادقة مع أنفسنا تجاه الوطن الذي بناه زايد.. نحتاج لأن نطبق حروف «نفديك بالأرواح يا وطن»، ونحتاج لأن نحمد الله دائماً وأبداً على النعم كلها، ونحتاج لأن نتعلم كيف نعطي بصدق، نخلص ونقدم ونبذل الكثير، وأن نتعلم أيضاً كيف نرد الجميل، والأهم أن نسعى للعمل كما كان يحب زايد ونترك ما كان لا يحبه زايد.
رحمك الله والدنا..