مع التطورات التكنولوجية السريعة التي أصبحت في وقتنا الحاضر في متناول الجميع، ومع سهولة استخدامها من قبل الأفراد كبيرهم وصغيرهم، وبين مستخدم إيجابي وآخر سلبي تظهر أهمية التوعية والتحذير من نشر الإشاعات والأخبار المتداولة والمعلومات الواردة دون تثبت وتمحيص لها وإخضاعها لمعايير الفحص التي قد تؤكدها أو تنفيها.
مع تسارع الأحداث الدولية، وكثرة الملفات التي تهم الإنسانية، وفي ظل تطور الإعلام في جميع الأقطار وتوافر التكنولوجيا ووسائل نقل المعلومات والأخبار، أصبح البعض لا يمكنه أن يميز بين الأخبار الحقيقية والكاذبة، بسبب قيام بعض القنوات بتضليل المشاهد والمتابع من خلال فبركة الحقائق لغايات تخدم مصالح وأجندات وتوجهات معينة.
على جميع مستخدمي برامج التواصل بأنواعها، والمتابع للقنوات المختلفة أن يتحرى مصادر الأخبار بدقة، ويعتمد على القنوات المرئية والمسموعة والمكتوبة التي عرفت بالمصداقية ونقل الحقائق دون فبركتها، وأن يكون واعياً ومدركاً لما يحدث من حوله، وألا يتناقل الأخبار بمجرد وصولها إليه، بل يمحصها ويتأكد منها، وإذا افترضنا أن الخبر كان صحيحاً، فعليه أن يتعامل معه بحكمة ويسأل نفسه، هل في نشره فائدة أم لا؟ فالعاقل يحرص دائماً على الخير ولا يأخذ كل ما يقال أو يشاهد بالعاطفة والحماسة، بل نحتاج أن نتعامل مع كافة الأمور بتعقل وحكمة وفطنة. كما أن للإشاعات آثاراً ضارة على مستوى الأفراد والمجتمعات من خلال إحداث البلبلة والإضرابات وعدم الاستقرار، وظهور التأويلات المغلوطة واللغط والقيل والقال، وكل ذلك ينتج عن الاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا الحديثة وبرامج التواصل الاجتماعي.
وأضرار الإشاعات جسيمة؛ فكم فرقت بين الأحبة؛ وكم فككت من أسر؛ وكم دمرت من مجتمعات؛ وكم نشرت من الحسد والبغضاء والتنافر بين الناس؛ وكم أشعلت من نار الفتنة بين الأنقياء والأصدقاء؛ وكم فرقت بين الأهل ونزعت الثقة فيما بينهم وكم أضعفت المودة في قلوبهم تجاه بعضهم البعض.
وكم من زوج طلق زوجته بسبب إشاعة؛ وكم من زوجة نفرت من زوجها بسبب إشاعة؛ وكم من أخ خاصم أخاه بسبب إشاعة، وكم من آلام وجراح أحدثتها الإشاعات التي تصدر عن أشخاص غير مبالين أو أشخاص ساءت نواياهم، فالإشاعة أضرارها جسيمة وآثارها قبيحة.
ومن أعظم الإشاعات، الإشاعات التي تمس أعراض الناس وأسرارهم، قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)).
ومطلق الإشاعات في حقيقة الأمر؛ هو خبيث النية وقبيح الطوية، هو كالمرض في البدن، وكالنار التي تسري في الهشيم، ديدنه الإفساد، تجده مريض النفس لئيم الطبع، عديم الأخلاق والمروءة، قلبه ممتلئ حقداً وحسداً ولا يهنأ له بال حتى يحقق المفاسد، تجتمع به الخصال المذمومة والصفات الساقطة الرخيصة.
وهنا أحث الجميع على عدم تداول الشائعات، ولا سيما المغرضة والمقصودة التي تضر المجتمع، لما لها من أضرار جسيمة، فإنها تهدم ولا تبني، وتضر ولا تنفع، وتنشر الذعر والخوف، فواجب علينا جميعاً محاربتها وعدم تداولها، ومن واجبنا التعاون مع الجهات المعنية والإبلاغ عن ناشريها حتى يتم ضبط هذا الأمر.
وعلاج الإشاعات يكون باستقاء الأخبار من المصادر الرسمية فقط، وعدم نشر الأخبار إلا بعد التأكد من صحتها وتمحيصها، حتى نحافظ على أمن المجتمع واستقراره، وبث الطمأنينة بين أفراده، وهذا مطلب ضروري، حتى يهنأ الجميع بالخير.
من الجميل أن يبتعد الإنسان عن كل شأن لا يخصه، وأن يحفظ لسانه من كل أمر لا يجيد التحدث به، وأن يسخر وقته وطاقته وجهده في الجوانب التي تعود عليه بالنفع والخير سواء على نفسه أو أسرته أو مجتمعه، فهنا تكمن السعادة وتتحقق المنافع.
فإن الفضول غير المنضبط من خلال متابعة الأحداث والنظر الكثير في البرامج المختلفة والمواقع المتعددة، ولا سيما المتابعة السلبية، كل ذلك يضر بالصحة النفسية للإنسان، فعلينا أن نحرص على صحتنا النفسية وطمأنينتنا القلبية من خلال المتابعة الإيجابية للوسائل المعلوماتية المختلفة، وأن نستثمر أوقاتنا في ما يهمنا ويرتقي بنا.
وعلى العاقل الفطن أن يراقب الله في كلامه وتصرفاته ويحفظ لسانه من الحديث بلا فائدة، وكما قيل «من كثر كلامه كثر سقطه»، وعليه التثبت من الأخبار مع التأكد من مصادرها، وأن يرجع الأمر لأهله من ذوي الاختصاص، وألا يكون مذياعاً ينشر كل ما يسمع، وجاء في الحديث:«كَفَى بالمرءِ كذِبًا أن يحدِّثَ بِكُلِّ ما سمِعَ».
الوقت هو حياتك فلا تضعه بالسفاسف، ومن الحكمة أن تستثمر جميع أوقاتك بكل ما هو مفيد لك في حاضرك وتصنع من خلاله مستقبلك وترتقي بنفسك.