التربية الوالدية الإيجابية

الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع، منها ينطلق الفرد في مختلف مسارات حياته، ومنها يستقي التربية الإيجابية، والأخلاقيات السوية، والقيم والمبادئ والهوية الوطنية، ومن خلالها يتم تكوين شخصيته، والمحافظة على فطرته،
فيصبح فرداً صالحاً في مجتمعه، نافعاً لأسرته ووطنه.

والأسرة لا بد لها من قواعد صلبة ترتكز عليها في بنائها وبداية نشأتها، بهدف ديمومتها، والمحافظة على استقرارها، ومن أهم هذه القواعد اختيار الشريك الملائم لهذه المسؤولية العظيمة، الذي تتوافر فيه الصفات النبيلة، والسلوكيات القويمة، والذي يدرك حجم مسؤوليته، ويؤديها بما يرضي ربه، حتى تكون هذه الأسرة نافعة للمجتمع وبها يتم بناء الوطن.

وتمر الأسرة في وقتنا الحاضر بتحديات كثيرة قد تؤثر عليها في بداية مهدها أو في أوسط مسيرتها، ومن جملة هذه التحديات وأهمها التكنولوجيا الحديثة، وبرامج التواصل الاجتماعي، حيث تتضمن هذه الأدوات محتويات وفيرة، بين إيجابية وسلبية، ولها تأثيرها القوي والفوري في توجيه الآراء وتغيير الأفكار، لا سيما لمن لا يمتلك الحصانة الذاتية التي تحميه من المغريات على كل المستويات الفكرية والأخلاقية والاقتصادية ونحوها،

حيث تحتوي هذه التقنيات والبرامج على أفكار غزيرة، ومتغيرات كثيرة، وقيم ومبادئ وسلوكيات وأخلاقيات متباينة، بعضها يستهدف الأسرة بطرق ممنهجة لتفكيكها، وبعضها يستهدف الأسرة لإضعاف قيمها ومبادئ، وبعضها يستهدف الأسرة لتقويض المجتمع، فالأساس الصلب لقوة الدول مبني على الأسرة القوية المتماسكة، وقد تناول هذا الجانب الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، في كلمته التي ألقاها خلال القمة العالمية التي أقيمت مؤخراً في دبي، حيث قال سموه: «الأسرة هي أول شكل من أشكال الحكومة، ومرحلة البناء أو الانحدار تبدأ من قوة أو ضعف الأسرة وقيمها، فلو ضعفت الأسرة، ستضعف الأجيال القادمة، بالتالي ستضعف الدولة».

نعم، الأسرة هي حجر الأساس الذي تبنى عليه المجتمعات والأوطان، وعلى الآباء أن يدركوا ذلك جيداً، وأن يكونوا سداً منيعاً في وجه كل من يسعى لهدم أسرتهم، وأن يكونوا واعين ومدركين لما يدور من حولهم، ويفهموا واقعهم، وأن يتعاملوا بحكمة فيما بينهم، وأن يجعلوا هدفهم الأسمى المحافظة على أسرتهم وتربية أبنائهم التربية الصالحة التي تعود عليهم وعلى المجتمع بالخير والرقي.

وعلى الأسرة أن تعتني بالتربية الوالدية الإيجابية تجاه أبنائها، وتحرص على أفكارهم، فالموجهات الفكرية كالأمواج المتلاطمة تحيط بنا من كل جانب، ولا بد للوالدين أن يكون لديهما الوعي الكافي تجاه هذه الموجهات سواء أكانت من خلال الإعلام الموجه، أو من خلال البرامج والتطبيقات التي تُعنى بالتواصل الاجتماعي، أو من خلال الألعاب الإلكترونية، لا سيما التي تلعب «أونلاين»، وتتسم بالعنف وخدش الحياء، حيث مخاطرها جسيمة، واليقظة واجبة تجاهها للمحافظة على فلذات أكبادنا.

والتربية الوالدية تتطلب معرفة الوالدين لأصدقاء أبنائهما ومدى صلاحهم، في المقابل يتم تحذيرهم من رفقاء السوء، ومتابعة المتغيرات على الأبناء، لا سيما المتغيرات الصحية، فبداية أمان الأبناء بتوعيتهم بأضرار المخدرات، وتحذيرهم من مروجيها وعدم التعامل معهم، لا سيما عبر منصات التواصل الاجتماعي والرسائل المجهولة التي تصل إلى رقم الهاتف، مع ضرورة توعيتهم بأهمية إبلاغ الوالدين إذا تم استقبال مثل هذه الإعلانات وكيفية التعامل معها.

ومن مقتضيات التربية الوالدية الإيجابية توعية الأبناء رقمياً، وحثهم على تطبيق المواطنة الرقمية عند استخداماتهم اليومية لبرامج التواصل، وتوجيههم نحو متابعة القدوات الطيبة والشخصيات التي تغرس حب الوطن وقيادته والقيم والمبادئ، وتتسم بالخلق والمكارم، فهذا يعود عليهم بالخير والرقي.

ونوصي الآباء والأمهات بأن يكونوا قدوة مضيئة لأبنائهم في أفعالهم وأقوالهم وسلوكياتهم، وأن لا يبخلوا عليهم بالتوجيه والنصح وإرشادهم لما فيه خير لهم في حياتهم، وأن يتعاملوا فيما بينهم بالأساليب الراقية من المودة والرحمة والاحترام؛ لأنه الأساس في التواصل بين الأنام.

الاستقرار الأسري يولد لدى الابن الاستقرار العاطفي والمشاعري؛ بالتالي يتحقق له الاتزان النفسي؛ ما ينعكس على سلوكه الخارجي، لا سيما على أقواله وأفعاله. والاستقرار الأسري وبناء فرد صالح في المجتمع بشخصية محافظة على هويتها الوطنية وعاداتها وتقاليدها الأصيلة، حريصة على قيمها ومبادئها، تحتاج إلى تضافر الجهود بين حجر الأساس لبناء الفرد، والأسرة، ويستكمل هذا الدور لدى المؤسسات التعليمية بمختلف مستوياتها المدرسية والجامعية وفق خطط تدريسية منهجية تتناسب مع مختلف المستويات العمرية، وصولاً لأدوار المؤسسات المجتمعية والإعلامية وغيرها من الشركاء في هذا الملف المهم، لبناء الأسرة المزدهرة الآمنة.

بتضافر الجهود وتوحيدها تتحقق لنا اللحمة الوطنية المنبثقة من الأسرة السوية لوطن مشرق مضيء بأبنائه، من خلال بناء فرد واثق بنفسه، محقق لتطلعات قيادته الحكيمة وفق رؤيتها المستنيرة والخطط الاستراتيجية الوطنية.