علام الدهشة حيال انتصار حركة حماس الفلسطينية في الانتخابات التشريعية الأخيرة؟

بالنسبة للذين يتابعون أحداث الشرق الأوسط عن كثب، يشكل انتصار حماس جزءاً من تيار واسع النطاق نلاحظه في كل العالم الإسلامي. فالإسلاميون، المعتدلون والمتشددون والمتشددين منهم، يشكلون القوة السياسية المسيطرة. وفي معظم البلدان لا يواجهون سوى قلة من المنافسين، سواء من القوميين أو اليساريين.

الإسلاميون يفلحون عادة حيث لا توجد ديمقراطية وحيث لا يستطيع الشعب إبداء رأيه حول مصيره ولا حول نظامه ولا حول أعمال القوى البعيدة. ففي الانتخابات المصرية، التي جرت الشهر الماضي، رضخ الرئيس مبارك للضغوط وأدخل إصلاحات صغيرة في النظام الانتخابي وعلى الفور حصل الإخوان المسلمون على مكاسب هائلة. ولو أن الانتخابات المصرية كانت مفتوحة حقا على كل الاحتمالات لحصل الإخوان المسلمون على الأغلبية في هذا البلد أيضاً.

واشنطن وجزء كبير من أوروبا لم يفهما بعد الآلية الفلسطينية السياسية والاجتماعية. فالقوة الرئيسية التي تسيطر على الحياة اليومية والنفسية تكمن في سنوات الاحتلال الإسرائيلي التسع والثلاثين، أي حوالي جيلين تقريبا. وهذا يعني أن الفلسطينيين مشبعون بالمرارة والسخط وهم يدعمون حماس لأن حماس لم تفسد وتتكلم باسم الإسلام والوطنية الفلسطينية وهي مستعدة للتصدي بالكفاح المسلح ضد الدولة الإسرائيلية التي تحتل الأرض الفلسطينية، ولقد تصدت بالفعل لعملية كفاحية انتهجت فيها أسلوب حرب العصابات وقامت بمهاجمة قوات الاحتلال الإسرائيلي.

كما قامت بعمليات عسكرية ضد المدنيين الإسرائيليين متذرعة بأن الأمر يتعلق بالرد على استخدام القوة من قبل الإسرائيليين ضد المدنيين الفلسطينيين، حيث يقتل آلاف النساء والأطفال. لكن الأمر لا يتعلق هنا بتبرير سياسات حماس، بل بتوضيح لماذا لجأوا في بعض المرات إلى العنف لمقاومة الاحتلال ولماذا تعتبر أهم قطاعات الشعب الفلسطيني ذلك العنف مبرراً.

إذا أصرت واشنطن وأوروبا على أنه يتعين أن يسود السلام والهدوء في المنطقة كي تتمكن المفاوضات السلمية من الاستمرار، فإن السلام لن يأتي أبدا. أما إذا أردنا حلحلة الأمور المعقدة طوال خمسين عاما من المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فيتعين علينا البدء بأصل المشكلة، الاحتلال نفسه. والتشبث بفكرة القانون والنظام أولا ما هو إلا ميل بصورة متعمدة باتجاه عدم معالجة القضية الكامنة في جذر المشكلة. الوضع الراهن في فلسطين يجب ألا يدهش أحداً والمتفاجئون هم أولئك الذين لا يستوعبون هذه المشكلة.

هل حماس مسرورة؟ من الواضح أنها راضية بإثبات مدى قوتها والدعم الذي تلقاه في فلسطين، فضلاً عن أن العالم لم يعد بوسعه تجاوزها. لكن قد تكون حماس غير مسرورة مع ذلك بأن عليها تحمل مسؤولية المشكلات الفلسطينية الداخلية والدولية. وبدل أن يمثل ما جرى حدثا سلبيا جدا بالنسبة للسلام ، مثلما أكد ذلك اليوم رئيس الوزراء الإيطالي سلفيو بيرلسكوني، يمكن لهذا النصر أن يمثل حدثا إيجابيا جدا.

لا أريد ارتكاب خطيئة العبقري فيما يتعلق بالمشكلات التي على الأبواب، لكني أؤكد أن الحركات الإسلامية ترغب بالحفاظ على قاعدة دعمها الاجتماعية في العالم الإسلامي وسيتعين عليها إعطاء ما يريده الشعب: بالنسبة لهم، فإنه لمن الترف عدم التربع على عرش السلطة، لأنهم بهذه الطريقة يتمتعون بحرية النقد بشكل حر من دون تحمل أي مسؤولية عن السياسات. في هذه اللحظات باتت حماس تواجه مشكلات سياسية كبيرة مع مجرد محاولة تفعيل البنية التحتية الفلسطينية.

من المنتظر أن تبدي حماس رغبتها في تقاسم أعباء السلطة على طول وعرض طيف المجتمع الفلسطيني. وربما يتعين عليها الآن معاينة فعالية القيام بهجمات فدائية أو حتى إرهابية. وأنا أتوقع أن تقوم حماس تلك بمنع الهجمات كلما توغلت في تحليل إمكانية التقدم في الميدان السياسي. بيد أنه إذا وصلت حماس إلى اعتبار أن الدبلوماسية والمفاوضات لا تعمل، إذا اعتقدت بأن إسرائيل لا تأخذ على محمل الجد إعادة الجزء الأكبر من الضفة الغربية، فإن هناك احتمالاً حينئذ بأن تتنازل عن السلطة وتعود للكفاح المسلح. فمن الواضح أنها غير قادرة على فعل كلا الأمرين في آن واحد.

المشكلة تكمن في أن لا حزب الليكود ولا المحارب شارون كانت لديهما أي نية في أن يقدما للفلسطينيين دولة متواصلة الأجزاء وذات سيادة وتقوم بوظائفها في الضفة الغربية. فلقد أرادا الإبقاء على سيطرة إسرائيل المطلقة مع عدد كبير من المستوطنات. ولهذا السبب لا يوجد سلام في يومنا هذا وليس بسبب الإرهاب»، ذلك أن هذا الإرهاب هو نتيجة طبيعية للاحتلال غير المحدود.

حماس ستعبّر الآن بصوت سياسي جبار عن أنها تعتمد على دعم شعبي قوي بين الفلسطينيين. من جانبها، تواجه إسرائيل تحدياً كبيراً يتمثل في السؤال التالي: هل ستأخذ على محمل الجد مسألة السماح بنشوء دولة فلسطينية قابلة للحياة أم أنها ستواصل تكتيكها التسويفي، الذي يعبر عن استراتيجية شارون الرئيسية، وتستمر بخلق وقائع جديدة على الأرض؟

لا شك في أن حماس استخدمت في الماضي لغة متشددة جدا في الإشارة لإسرائيل، رافضة وجودها وحتى مطالبة الفلسطينيين باستعادة الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل في عام 1948 لبناء دولتهم الجديدة. سنجد مئات الشواهد التي تبرهن على أن حماس لن تتمكن أبداً من التحول إلى شريك في مفاوضات السلام. بعض الإسرائيليين لا يريد المفاوضات ويفضل الحفاظ على الوضع الراهن.

ولا ننسى أن جميع حركات التحرر الوطني تستخدم لغة متشددة باسم قضيتها. الفلسطينيون لا يشذون عن هذه القاعدة. والإسرائيليون المتعصبون يتكلمون عن الحفاظ على جميع الاراضي وحتى عن الحق الطبيعي لليهود باحتلال جميع الأراضي الواقعة بين النيل والفرات، مثلما وعد الإنجيل والمتشددون السوفييت كانوا يتحدثون عن شيوعية أممية .

بيد أن الواقع يفرض نفسه في نهاية المطاف، فحماس ليست منظمة إرهابية فقط، وإنما هي منظمة سياسية واجتماعية أيضا، ولديها تطلعات سياسية تتطلب تحرير فلسطين، لكن رؤيتها بهذا الخصوص تنطلق عموما من تحرير كامل التراب الفلسطيني كهدف على المدى الطويل جدا. لكنه في حكم المؤكد تقريبا أنها عندما تكون في السلطة، ستركز حماس على تحرير الضفة الغربية والحصول على عاصمة في القدس الشرقية، في المنطقة العربية من المدينة المقدسة.

وستحاول أن يكون في فلسطين مجتمع ذو طابع إسلامي، لكن هذا لا يوحي بأنها ستكون شبيهة بنظام طالبان ولا بنظام رجال الدين في إيران. فليس هذا ما يريده الفلسطينيون. المستقبل سيبدل الأمور والفلسطينيون الراضون عن حياتهم في دولتهم الخاصة بهم سيفقدون جزءاً كبيراً من تطلعاتهم العسكرية.

حماس تواجه الآن واقع السلطة واحتياجات الفلسطينيين وفن الممكن. وبلا شك ستحاول توظيف الأدوات السياسية لبلوغ أهدافها. غير أنه إذا لم يتوفر اعتراف من جانب الإسرائيليين بأن على إسرائيل ترك جزء كبير من الأراضي المحتلة، فإن هناك احتمالاً بأن تلتزم حماس جانب الصمت وأن لا تستمر في السلطة لوقت طويل. كلا الجانبين سيجدان نفسيهما على محك التجربة في لحظة الحقيقة هذه. والواقع يكمن هناك.

ترجمة: باسل أبو حمدة

عن لا فانغوارديا ـ اسبانيا