يبدأ الإماراتيون الاستعداد لإقامة حفلات أعراسهم في فصل الصيف مع انطلاق موسم العطلات والإجازات المدرسية والجامعية ما يشجع الأهالي على إقامة حفلاتهم وتحويل وقتهم لطقوس وعادات متوارثة.
ونالت دولة الإمارات شهرة كبيرة في مجال صناعة الأعراس تنافس في ذلك كبريات الدول المتقدمة إذ تؤكد التقارير المتخصصة في هذا المجال أن عدد حفلات الزفاف التي تقام في الدولة تبلغ حوالي 30 ألف حفل سنويا تكون ذروتها في أشهر الصيف باستثناء شهر رمضان المبارك .
ولا يزال العرس الإماراتي يحتفظ بعاداته وتقاليده القديمة المتوارثة والجميلة حيث يحرص مواطنو الدولة على أتمام إجراءات الزواج وحفلات الزفاف بنفس الصورة التي كانت عليها في القديم مع إدخال بعض التغييرات الطفيفة.
وعن العرس الإماراتي قديما قالت المواطنة آمنة محمد سعيد: تبقى صور العرس الإماراتي قديما عالقة في الأذهان والذاكرة ففيها روعة الماضي وصوره الجميلة التي تبقى خالدة في الذاكرة.. فالعرس هو فرح وتواصل وتكافل اجتماعي يعني للفرد الشيء الكثير.. فبرغم كل مفارقات الماضي إلا أن روح التواصل والترابط سمة بارزة ليوم العرس.
وأضافت: في الماضي كان يختار الأهل البنت لابنهم إلا أن بعض الشباب يختار البنت التي يرغب في الاقتران بها بعد أن يراها في مكان ما أو في البراحة أوقات المقيظ ويخبر أهله عنها، وبعد أن يقع الاختيار على بنت الحلال تذهب النساء لطلب يد الفتاة من أهلها ويحرص البعض على رؤية بيت أهل العروس ومدى نظافته.
وقالت: الناس مب بواحد، يختلفون، حد يلتفت ويهتم حق هذا الشيء، وحد لا يهتم، والمهم أنهم يشوفون البنت، ويقوم أهل البنت بالواجب تجاه الحريم القادمات يخطبن ويقدمون لهن القهوة والفواله (مائدة تقدم للضيوف) .
وأشارت آمنة إلى أنه بعد الانتهاء من واجب الضيافة وإبداء الضيوف رغبتهم لطلب يد الفتاة لأبنهم يخبرهم أهل البنت بأنهم سيردون عليهم بعد أسبوع لأخذ الوقت الكافي للسؤال عن الشاب خاصة إذا كان من مكان بعيد وليس معروفا لديهم. أما إذا كان من أهل الفريج (الحي) ومعروفا لديهم قالوا لهم سنخبر والدها وسنرد عليكم.
وقالت: البنت ما لها شور (رأي) قبل، عكس بنت اليوم التي يؤخذ رأيها في كل الأمور وأدق التفاصيل حتى في وقت ومكان ولبس العرس.وأوضحت أن البنت في الماضي كانت تحرص على تعلم الطبخ والتنظيف وكل ما يخص المنزل.
وأضافت: بعد الزيارة يسأل أهل الشاب عن الرد وفي حال الموافقة يذهب الرجال ويتفقون مع والد الفتاة ويحددون موعدا للعرس، عادة يكون بعد أسبوع، والملجة (عقد القران) ليلة العرس وتبدأ التحضيرات للعرس وتدعو النساء جيرانهن ويتعاون الجميع في خياطة الملابس ويجهزن العروس وكانت زهبة العروس الإماراتية بسيطة وتتكون من عود وعنبر وذهب ولكن هذه الأشياء اختفت في زحمة صرعات الأزياء ولم تصمد أمام إغراءات صالونات التجميل.
وقالت: زمن أول كان حريم الفريج يعدلن (يزين) العروس، لكن يومنا هذا ما ترضى العروس إلا تتعدل في أفخم الصالونات وعلى يد أمهر خبيرات التجميل وتقيم الحفل في أرقى الفنادق وأجمل القاعات.
وأوضحت: انه عقب ذلك يبون المير (يحضرون الطعام) إلى بيت أهل العروس، وكله على المعرس، وتقوم أم العروس وتزقر (تدعو) جيرانها يتعاونون وينظفون العيش (الأرز) والحب (الهريس) ويقلون (يحمصون) القهوة ويسوون العيش واللحم ويزقرون أهاليهم وجيرانهم ويستمر العرس ثلاثة أيام وحد يستمر عنده أسبوع حسب قدرة الناس المادية تقدم خلالها الولائم للضيوف والمدعوين.
وتشكل الولائم من مختلف أصناف الحلوى والهريس. أما الوليمة أو المائدة الرئيسية فهي العيش واللحم، ولا يفوت أهل العريس أيضا أن يرسلوا من الطعام ما تيسر للمرضى وكبار السن ممن لا يستطيعون المجيء.
في حين يتم استدعاء فرق الفنون الشعبية أيام العرس لإحياء رقصات العيالة والرزفة حتى ساعة متأخرة من الليل لإدخال السعادة والسرور على الحضور.
وأضافت: بعض الأهالي كانوا يأخذون الذهب من عند الناس المستدين (الأغنياء)، وكان الذهب يتكون من الطاسة (يلبس على الرأس) والمرية والكواشي (حلق) والمرتعشة (قلادة) والحيول أبو الشوك (نوع من الأساور) والمرامي (نوع من الخواتم)، والبعض يستعير الملابس من عند التجار..
وزمن الحين تغير عن زمن قبل وصارت حفلة للملجة، وهي حفلة ما لها داعي، وعقبها تأتي حفلة العرس وتكلف المعرس تكاليف ما لها داعي، وعروس زمن قبل ما كان المعرس يشوفها إلا ليلة العرس، ويفركونها بالنيل (مادة يدهن بها الجسم) ويلبسونها كندورة خضراء وثوب ويبرقعونها ويحطون لها المخمرية (خلطة من العطور) يعني كانت التجهيزات بسيطة زمن أول.
أما العروس في زمنا تخسر مخاسير ما لها داعي، ثلاثة أيام أو أربعة في الصالون والرجل يتكلف في المهر والمشتريات، والعروس تشتري اللي تباه واللي ما تباه، وكله يتم مكدس (غير مستعمل) في الكبت (خزانة الملابس)، والأكل يزيد عن الحاجة في الفنادق وتكون نهايته في حاويات النفاية ويتحملون ديونا ما لها داعي ويتسلف من البنك وتصير مشاكل بينهم وكل ما ياه اليور يزيد (الأمور تتعقد أكثر).
وذكرت أن للأفراح والمناسبات مراسم وعادات خاصة وهذه المراسم والعادات قد يحدث أن يتم اقتصارها في بعض الحالات، وعلى سبيل المثال يؤجل والد العريس موعد زفاف ابنه إذا حصلت حادثة وفاة لأحد أقربائه أما إذا حصلت الوفاة في نفس يوم الزفاف فيقتصر الأمر على تقديم الطعام للمدعوين دون إبداء أي مظهر من مظاهر الفرح كالأغاني والأهازيج تعاطفا مع ذوي المتوفي.
واليوم تشهد صناعة الأعراس في الإمارات طفرة كبيرة وأظهر استطلاع للرأي أجرته الهيئة الدولية للأبحاث «آي آي آر الشرق الأوسط»العام الماضي أن قطاع الأعراس في الإمارات يشهد طفرة كبيرة. ووفقا للاستطلاع قدر حجم سوق الزفاف في منطقة الشرق الأوسط بثلاثة مليارات دولار سنويا فيما تستأثر الإمارات بأعلى ميزانية لحفلات الزفاف التي يبلغ عددها سنويا أكثر من 25 ألف حفل. وقدر الخبراء حجم الدخل لتجار المجوهرات في منطقة الشرق الأوسط من خلال الأعراس بأكثر من 700 مليون دولار سنويا.
وعن حفلات الزفاف في وقتنا الحالي ومبالغة البعض في وصفها بأنها نوع من التبذير قال جورج إبراهيم، منسق حفلات في أحد أفخم فنادق العاصمة: لم تكن صناعة الأعراس رائجة في السابق إلا أن الانفتاح الاقتصادي ساهم إلى حد كبير في فتح آفاق جديدة لهذه الصناعة جعلت من مناسبة كالعرس حدثا فريدا من نوعه وذكرى لا تنسى مما ساهم في نشر هذه الصناعة التي أصبحت لها أسواقها الخاصة حتى أنها باتت تساهم في اقتصاديات العديد من الدول التي خصصت مناطق شهيرة لإقامة حفلات الزفاف .
وأضاف: محليا تلقى صناعة الأعراس رواجا كبيرا في ظل ما تشهده الدولة من تطور وأصبح لهذه الصناعة أسواقا خاصة بها تحقق دخولا وأرباحا كبيرة.
وأكد أن التطور في الإمارات طال كل القطاعات الاقتصادية بما فيها هذا القطاع وما يحدث فيه هو نتاج طبيعي، وهذا يتفق مع توجه الدولة كونها تتحدى الجميع لتصبح السوق الرائد في واحد من أكثر القطاعات ربحية في العالم.
وحول إيرادات الحفلات قال: إن تكلفة الحفل تتراوح ما بين 30 و 100 ألف درهم ويبلغ عدد الحفلات التي تقام في الفندق سنويا حوالي 200 حفل وبناء عليه يكون متوسط الدخل السنوي من الحفلات حوالي 10 ملايين درهم.
ونوه إلى أنه يتم اختيار الكوشة على حسب موديل الفستان وتتراوح قيمتها بين 50 و100 ألف درهم.
وقال موسى الشرقي، مدير قسم مبيعات الحفلات في احد فنادق دبي الفخمة: رن الإقبال كبير على القاعات المخصصة لإقامة حفلات الزفاف خلال فترة الصيف، وتبلغ نسبة الأشغال في القاعة 100 بالمائة وكذلك الأمر بالنسبة لعدد من القاعات الأخرى.
وأضاف: قد لا يكون مصطلح صناعة الأفراح رائجا من قبل لكن الانفتاح الحالي الذي تشهده الدولة جعل لها دورا بارزا أكثر من ذي قبل وأصبح تنظيم وصناعة الأعراس أمرا مهما وعادة اجتماعية لا يمكن الاستغناء عنها لدى الغالبية العظمى في المجتمع.
ونوه إلى أن التقدم الكبير الذي شهده هذا القطاع فتح الآفاق أمام المرأة الإماراتية للعمل في هذا المجال وفئات أخرى من المهتمين والمختصين بالديكورات والتنسيق والتنظيم الذين وجدوا سوقا خصبا لعرض إمكانياتهم في هذه المناسبات وقال: لا يمكننا أن ننكر أن مثل هذه الظواهر أوجدت الكثير من فرص العمل وفتحت المجال أمام الكثير من المشروعات القائمة على هذه الفكرة..
وقد تكون الفرص في هذا القطاع متاحة للفتيات بنسبة أكبر من الذكور نظرا للخصوصية العالية في مثل هذه المناسبات الاجتماعية.. لكن الذكور بدأوا يكتسحون السوق في الآونة الأخيرة خاصة فيما يتعلق بأعمال الديكور والكوشات التي تمثل عنصرا أساسيا في العرس.
وقال: إنه نظرا لأن تركيب ونقل المواد الداخلة في تصميم الكوشة تعتبر عملا شاقا على الإناث أصبحت الأمور التي تتطلب جهدا كبيرا تخصص للرجال ويبقى نصيب الأسد حكرا على المرأة في هذا القطاع.
وأكد موسى الشرقي أن الإمارات مؤهلة لأن تصبح مركزا لصناعة سياحة الحفلات وبوابة دولية للأفراح في منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا.
(وام)