لكل مكان عاداته التي تكسبه جماليات تميزه عن غيره من الأماكن، خاصة تلك التي تحمل ذاكرة تنقلها معها على مر الأيام والأزمان، تتسرب بعض العادات فتندثر مع الأيام، وتتغير عادات أخرى وتُهجن لتبقى لكن مع كثير من الاختلافات، إلا أن البقاء الكامل يظل للأفضل الذي يحمل روحه وجمالياته بكل تفاصيله، وهذا ما سجلته شجرة اللوز الإماراتية أو كما يطلق عليها محلياً «البيذام».

فقد وثقت هذه الشجرة أصالتها وتماسكها على مر السنين، فكانت ثمار اللوز ومازالت فاكهة الصيف المجانية لكل المواطنين والمقيمين في دولة الإمارات العربية من أقصاها إلى أدناها منذ القدم، فانتشارها في البيوت لا يفرق بين قصر أو بيت شعبي، بل إن الفاكهة متوفرة في الشوارع والطرقات وأرجاء الأحياء الشعبية، تقدم ثمارها لكل جائع متحديةً حر الصيف وجفاف الأرض.يتذكر راشد سالم سعيد القائم بأعمال مركز الحمرانية للأبحاث الزراعية برأس الخيمة طفولته التي لعب «البيدام» عنصرا مهما في تكوينها ويقول: «كانت مزارع اللوز متنزهات الطفولة اليومية بالنسبة لنا في فترة الصيف لعدم وجود أي أماكن ترفيهية نذهب إليها، ففي المزرعة أشجار اللوز التي توفر لنا متعة تسلق الأشجار حيث يتسابق الصبية.

فيما بينهم لإحضار أكبر كمية من اللوز وألذ لوزة، ويتم الجمع إما بتسلق الشجرة أو بهزها لأكثر من مرة أو من خلال عصا أو عبر استهداف الثمرة ورميها بحجر صغير».ويضيف راشد أنه وبعد فترة من اللعب يستلقي الأطفال مجموعات تحت ظلال الشجرة كبيرة الأوراق ويبدؤون بأكل اللوز والتحدث والضحك خاصة عندما يقوم احدهم بأكل ثمرة اللوز دون انتباهه لتواجد الدود فيها، وبعد ذلك تبدأ مرحلة جديدة من اللعب برشق بعضهم بعنقاشة اللوز «بذرة اللوز الكبيرة»، ومن ثم يجمعون البذور في مكان مكشوف لعدة أيام حتى تجف تماما، ويقومون بكسر البذرة ليجمعوا «البيذام» الذي بداخل البذرة المميز بطعمه اللذيذ.

استخدامات متعددة

يقول المزارع أحمد العربي إنه قد وجد شجرة اللوز أمامه منذ أن ظهر على الدنيا، وهي شجرة شبة دائمة الاخضرار تنتشر بأشكال متنوعة في المناطق بين الإمارات والمناطق الحارة في عمان، وأشجار اللوز جميلة جدا ووارفة الظلال وثمارها حلوة ولهذا السبب فإنها تجذب الصبية الصغار، هذه الأشجار لا تحتاج إلى عناية خاصة فقط ازرعها في البداية وداوم على سقيها، وبعد ان تكبر لا تحتاج إلى الماء إلا في الأسبوع مرة أو على فترات متباعدة، والنواة كبيرة ذات ألياف واللب أيضا لذيذ الطعم مثل اللوز الشام يكون في البداية طعمه مر وحامض لا يمكن أكله إلا بعد النضج ونطلق عليه وقتها اسم «البيدام».

وكانت استخداماته متنوعة بدءاً من الأوراق التي تستخدم في تخزين التمر والدبس اللذين يوضعان في الخرس وهو عبارة عن وعاء مصنوع من الفخار، يغلف بورق اللوز ثم يغطى بالطين والرمل ما يساعد في الاحتفاظ بالتمر لأطول فترة ممكنة، كما يتم أخذ أغصانه الخشبية كوقود للنار.

ويضيف أن انتشار اللوز الكبير خاصة قديما وجمال طعمه، أديا إلى رواجه لدرجة أن تلتزم كل النساء الذين حملن حديثا بتناوله خلال فترة حملهن، بل إن اللوز قد دخل في مجال الخرافات حيث تخاف المرأة التي لا تتناوله من أن يولد طفلها وهو يحمل اللون الأخضر في جسده، ما دفع النساء في تلك الفترة إلى البحث عنه وأكله سواء في أول حملهن أو آخره لضمان سلامة جلد الجنين من اللون الأخضر!

ويتابع أحمد التحدث عن استخدامات شجرة اللوز مؤكداً أنه بعد زراعتها بأربعة أعوام يتم قطف ثمارها وتعيش لأكثر من ثلاثين عاماً، وثمارها مفيدة جداً ومحبوبة، بل إنه كان يقال فيها مثل شعبي «يا اللوز بالبستان عبر في زباد» والزباد هو الرائحة الطيبة، واعتبرت قديما فاتحة للشهية ومبيض طبيعي للأسنان، وتجفف بذرتها وتستخرج محتوياتها التي تعتبر مكسرات تطحن آنذاك لتوضع فوق الحلويات الشعبية.

بركة اللوز

تبين ميرا الزعابي موظفة وربة أسرة أن حب ثمرة اللوز قد توارثته من والدتها وورثته لأبنائها، الذين يجتمعون مع أقرانهم في فترة المساء حول شجرة اللوز الموجودة في منزل عائلتي، يلتقطون اللوز ويأكلونه بنفس الضحكات وذات أسلوب اللعب الذي كانت تمارسه مع إخوتها وصديقاتها أثناء تناول هذه الفاكهة المحببة.

يقول محمد علي 13 عاماً إنه يستمتع بتسلق شجرة اللوز الكبيرة ويحرص أن يمر على كل أشجار اللوز في بيوت الجيران، حتى يستخلص أفضل الأشجار وألذ الثمار ومن بعدها يعتمد المنزل الذي يكون مصدره الدائم من اللوز.

ويؤكد سالم محمد رب عائلة أنه لا يمانع البتة في زيارة الأطفال لمنزله وأخذ اللوز، لأن نمو اللوز في منزله جاء نعمة من الله يردها له شكراً عبر السماح للجميع بتناوله، لذلك فالبركة متواجدة فلا تنقطع ثمار اللوز طوال الصيف، بل إن الشجرة تزيد كمية وجودة إنتاجها عاماً بعد عام.

توصيف علمي

أشار هشام الحسن المهندس الزراعي في مركز الحمرانية للأبحاث الزراعية والحيوانية برأس الخيمة، إلى أن شجرة اللوز أو كما يطلق عليها البعض اللوز الاستوائي أو الهندي متواجدة منذ القدم في الدولة، وهي منتشرة في كل أنحاء الدولة ما يجعل ثمارها متوفرة للجميع، فصفات الشجرة مناسبة لأجواء الإمارات ولا تحتاج كمية كبيرة من المياه وتتحمل ملوحة المياه وجفاف التربة.

ويضيف المهندس الزراعي أن شجرة اللوز من أصناف اللوزيات التي تبدأ بطرح أزهار اللوز خلال شهر مارس، لتتحول الأزهار إلى ثمار خضراء صغيرة «البرما» تكبر وتنضج مع بداية شهر يونيو ويوليو وحتى أواخر الصيف لتكون «اللوز» وتصنف إلى ثلاثة أنواع حسب ألوانها خاصة من الداخل «بيضاء وصفراء وحمراء»، ويعتبر اللوز الأصفر الأكثر انتشاراً بينما يفضل الأغلب اللوز الأحمر بسبب لذة طعمه وكثرة نسبة السكر فيه وسماكة لحم الثمرة وصغر بذرتها مقارنة بالأنواع الأخرى.

وأكد المهندس هشام أنه لا جدوى اقتصادية من المتاجرة في ثمار اللوز الإماراتي بسبب انتشارها الواسع في كل أرجاء ومزارع وبيوت بل وشوارع الدولة، ما يجعل ثمارها متوفرة بكثرة لكل راغب سواء داخل بيته أو خارجه، وذلك بسبب قدرتها على موائمة ظروف المناخية القاسية للدولة.

وأشار إلى أن شجرة اللوز تتعرض لمرضين رئيسيين يحولان دون أكل الثمرة، هما «ذبابة الفاكهة» التي تقوم بوضع بيضها داخل الثمرة وبعد مدة يفقس البيض ليصبح دودا داخل الثمرة، والمرض الثاني هي «نقارة الساق» وتقوم الحشرة فيه بنقر الثمرة والأكل منها ما يجعلها غير صالحة للأكل.

الطفل الأخضر!

يقول المواطن أحمد العربي إن انتشار اللوز الكبير خاصة قديما وجمال طعمه، أديا إلى رواجه لدرجة أن تلتزم كل النساء الذين حملن حديثا بتناوله خلال فترة حملهن، بل إن اللوز قد دخل في مجال الخرافات حيث تخاف المرأة التي لا تتناوله من أن يولد طفلها وهو يحمل اللون الأخضر في جسده، ما دفع النساء في تلك الفترة إلى البحث عنه وأكله سواء في أول حملهن أو آخره لضمان سلامة جلد الجنين من اللون الأخضر!

أمراض شجرة اللوز

أشار المهندس هشام الحسن إلى أن شجرة اللوز تتعرض لمرضين رئيسيين يحولان دون أكل الثمرة، هما «ذبابة الفاكهة» التي تقوم بوضع بيضها داخل الثمرة وبعد مدة يفقس البيض ليصبح دودا داخل الثمرة، والمرض الثاني هي «نقارة الساق» وتقوم الحشرة فيه بنقر الثمرة والأكل منها ما يجعلها غير صالحة للأكل.

انتشار واسع

أكد المهندس الزراعي هشام الحسن أنه لا جدوى اقتصادية من المتاجرة في ثمار اللوز الإماراتي بسبب انتشارها الواسع في كل أرجاء ومزارع وبيوت بل وشوارع الدولة، ما يجعل ثمارها متوفرة بكثرة لكل راغب سواء داخل بيته أو خارجه، وذلك بسبب قدرتها على موائمة ظروف المناخية القاسية للدولة.

رأس الخيمة ـ رباب جبارة