حافظ الزي الشعبي الإماراتي على حضوره البارز حتى يومنا هذا بينما اندثرت مع الوقت أزياء شعبية متنوعة وفقدت هويتها الوطنية وسط معمعة الحياة العصرية بتقنياتها وتعقيداتها التي تختلف اختلافاً جذرياً عن نمط الحياة القديم.
وكثيراً ما رأينا استحسان السائحين للزي الإماراتي وحرصهم على ارتدائه داخل الدولة أو شرائه كهدايا إلى الأحباب والأقارب في أوطانهم الأصلية. ولاشك أن الإنسان الإماراتي يشعر بشيء من الفخر والاعتزاز لأن ملابسه تلقى كل هذا الاهتمام الجماهيري والإعلامي مما يدفعه بلا شك إلى المزيد من التمسك بهذا الموروث الشعبي.وتتميز الأزياء الشعبية بأصالة نادرة، كما تتميز بالتلقائية والبساطة والوضوح لم تستطع الثقافة العصرية طمسها.
وصف الرحالة
ورد وصف بعض الأزياء لسكان الإمارات العربية المتحدة وعُمان في كتابات الأوروبيين من الرحالة ومن العسكر أثناء تجولهم في القرن الماضي، وقد أتى هذا الوصف والإشارات من خلال كتاباتهم أثناء الرحلات وأثناء المهمات الرسمية التي كانوا يكلفون بها العسكرية منها أو الدبلوماسية.
واننا لفي حاجة لوصف ما قاله الرجالة عن الأزياء الشعبية في الإمارات وذلك لإيصال الحلقات المفقودة منذ أقدم الأزمنة بين الأجيال، بدءاً من الفترات الإسلامية مروراً بالفترات الإسلامية المتأخرة ثم فترة القرن 14، 15 م ثم الفترة البرتغالية وفترة الوجود البريطاني في المنطقة.
ووصف الرحالة الأوروبيون للملابس دليل واضح على اهتمامهم بجميع النواحي والمرافق التي كانت موجودة في المنطقة لعدة أسباب منها سياسية وعلمية واجتماعية وحري بنا اليوم دراسة ما قالوه وتوثيق ما هو موجود اليوم بيننا من الأزياء وتصحيح ما هو خاطئ مما ورد في تلك الكتابات.
من الملاحظ أن الأوروبيين وصفوا ما شاهدوه من ملابس بدون تحليل أو دراسة لها وقد اختلفوا في وصف الزي وإطلاق الاسم عليه فمثلاً الدشداشة «الكندورة» أحدهم سماها قميصاً والآخر سماها قميصاً طويلاً وثالث جلباباً ورابع دشداشة أو كندوره، بل وقد لبس بعضهم الزي المحلي ليس كإعجاب ولكن لتنفيذ مخطط معين.
وقد أفاد وصفهم في تأكيد ما هو موجود اليوم بيننا من زي وأن الأزياء لم تختلف في الشكل العام وإنما اختلفت نوعية الأقمشة والخام المستعمل وهذا بالتأكيد ناتج عن التطور الصناعي والاستيراد من مختلف البلدان.
وبعضهم اهتم حتى بالدقائق من حيث طيات الملابس ووضع الخنجر من شده على البطن إلى كونه رخواً. وقد أفادهم من تتبعهم في الأزياء ووصفها في تمييز السكان من حيث جنسياتهم وقبائلهم ومناطقهم لمعرفة أصدقائهم من غيرهم.
ملابس متشابهة
إن الملابس بين أهل الإمارات وعُمان متشابهة إلى حد بعيد وذلك للقرب الجغرافي، لذلك فإن الرحالة والكتاب أيضاً لم يفصلوا بين هاتين المنطقتين في كتاباتهم فيما ينطبق على الامارات كان يطبق على عُمان والعكس صحيح في الماضي والحاضر.
وقد ذكر اللفتننت (توماس لمسدن) في كتابه المطبوع سنة 1822م (لندن) ويعتبر من أوائل من كتبوا في هذا المجال فقد كتب عن أوضاع المنطقة في تلك الفترة ومما كتبه عن مسقط بالذات في الأزياء ذكر أن مسقط كانت تصنع الحلوى المشهورة والعمائم والسروج والعباءات والقطن ونسيج الأشرعة.
وأن نساء البلاد كن يرتدين ملابس سوداء من الحرير كما كان الزنوج يرتدون السراويل أما النساء الزنجيات فكن يرتدين ملابس زرقاء تغطيهن من قمة الرأس حتى أخمص القدم.
أما الرحالة الميجر توماس سيكنز سنة 1836م فقال عن مسقط إن في السوق كانت تعرض مختلف أنواع السلع والمنجات كالشالات الكشميرية والسيوف والرماح وأنوال النسيج منتشرة ولكنها بدائية الطراز.
ومما جاء عن رحلة السفينة (سلطانة) إلى نيويورك سنة 1840م في عهد السيد سعيد بن سلطان، سلطان عُمان في ذلك الوقت، فقد كانت السفينة محملة ببعض الهدايا إلى الرئيس الأمريكي من السيد سعيد بمناسبة توقيع معاهدة الصداقة والتجارة بين البلدين سنة 1833، وعند العودة حملت السفينة سلطانة من نيويورك بضائع متنوعة كان منها 125 بالة من الملاءات الرمادية تسمى (ميركاني) و24 ثوباً من قماش قرمزي اللون و13 حقيبة من الخرز الأحمر والأبيض وعشرين دستة (درزن) من القماش المطبوع.
الحياة الاجتماعية
وذكر المطوع وهو أحد أشهر المؤرخين التقليديين في الامارات، في مخطوطه أن الشيخ سلطان بن شخبوط سنة 1845م كان يتغطى برداء (اللاس) وكان شائع الاستعمال في ذلك الوقت لدى الأمراء والأعيان.
وفي سنة 1860م زار الرحالة بلجريف الشارقة وذكر أنها مركز للاستيراد والتصدير من بدع بامارة قطر إلى رأس مسندم في عُمان، وتعرض في أسواقها مصنوعات عُمان، الصوفية والقطنية والمعدنية وقد رأى في القسم الشمالي منها (أي الشارقة) مصانع لصنع العباءات الحمر الخفيفة والأثواب القطنية الطويلة.
أما (لوريمر) فقد ذكر في رحلته حوالي سنة 1905م أثناء زيارته للشارقة نفس ما ذكره بلجريف عن الشارقة ومن صنع نساء رأس الخيمة للعباءات الجيدة من صوف الأغنام كذلك.
أما الرحالة (الن فيلرز) فقال: كان البحارة يفرشون الوزرة والكوفية أمامهم على الأرض عند الصلاة، والدشداشة العُمانية ليست مثل الكويتية من حيث الطول (أي العُمانية أقصر من الكويتية).
وقد اهتم الرحالة (ولفريد ثيسغير) الرحالة المشهور الذي طاف حول الربع الخالي في رحلته الشهيرة 1940-1945 م، بعد برترام توماس1930-1931م، اهتم بالحياة الاجتماعية لسكان عُمان والامارات وتوثيق ماشاهده في سياق ذكره عن رحلته وحياة البدو، وقد ذكر الكثير فيما يخص الملابس والتقاليد الخاصة بها كان ذلك في منتصف القرن المنصرم.
البدو محتشمون
فقد ذكر عن البدو الذين رافقوه مرتين في طوافه حول الربع الخالي: إنهم بدو محتشمين كثيراً ويتجنبون جداً تعرية أجسامهم وكان رفاقي يلبسون دائما الأقمشة التي تغطي وسطهم حتى حين اغتسالهم في الآبار.
وفي وصفه لقبائل جنوب الجزيرة العربية (عُمان، حضرموت) قال: ان البدو دائما يميزون الجمال عن بعد أكثر مما يميزون البشر وإن قابلوا غريبا عرفوا إلى أي قبيلة ينتمي من العلامات العديدة التي تظهر حالاً لعيونهم الثاقبة.
وهم يميزونه من وضع حزام الخرطوش مربوطاً بشده حول وسطه أو مرتخياً ومن لبس الكوفية (يقصد بها العصابة) بارتخاء أو مشدودة حول رأسه ومن طيات الرداء ( ويقصد الدشداشة / الكندوره / أو القميص مع الوزار) والغطاء الجلدي الذي يضع فيه بندقيته، كل هذا يكشف عن نسبه وتوضح معه لهجته إلى أي قبيلة ينتمي.. وأن العقال الأسود الصوفي الذي هو ميزة ظاهرة في لباس العرب في الشمال ولكنه ليس معروفاً لدى أهل صلالة.
وذكر أيضاً عن الألوان المستعملة قديماً منها عشبة صحراوية تصبغ الكوفيات إلى اللون الخمري الفاتح قرب صلالة وصبغة (الزنجاري) والتي تستخرج من أشجار جنوب عُمان قرب ظفار. وان الأعراب في الصحراء سواء في فصل الشتاء أو الصيف يلبسون جوارب مصنعة من الشعر الأسود الخشن.
أما ما ذكره عن الامارات أثناء وصوله إلى أبوظبي والعين فقال: أن الشيخ شخبوط وأخاه هزاع وخالد كانوا يجلسون على سجادة في الغرفة العلوية من القصر في أبوظبي وكانوا يلبسون زياً سعودياً أي القمصان الطويلة البيضاء (الدشداشة، الكندورة) وكوفيات بيضاء تساقطت حول وجوههم وتثَبّت على الرأس بعقالات صوفية سوداء.
الرحالة والعين
أما عند زيارته لمدينة العين فقد رأى الشيخ زايد بن سلطان «طيب الله ثراه» في حصن المويجعي: كان حوالي ثلاثين عربياً يجلسون تحت شجرة شائكة أمام الحصن، أشار دليلنا وقال لي: «الشيوخ جالسين» قمنا بتبريك نياقنا على بعد ثلاثين ياردة تقريباً وتقدمنا حاملين بنادقنا وعصي النياق.
وبعد أن ألقيت عليهم السلام، تبادلت الأخبار مع الشيخ زايد. كان رجلاً قوي البنية جداً، يبلغ من العمر حوالي ثلاثين عاماً، لحيته بنية، وجهه قوي ينم عن الذكاء، وعيناه خارقتان يقظتان.
وكان يعطي الانطباع بأنه شخص هادئ، قادر، ذو عزيمة. وكان لباسه بسيطاً جداً، يتكون من قميص من قماش عُماني لونه بني فاتح، وصدرية غير مزررة، ويتميز عن رفاقه بعقاله الأسود وطريقة ارتدائه كوفيته التي كانت ملقاة على كتفيه بدلاً من أن تكون ملفوفة حول رأسه وفقاً للعادات المحلية، وكان يتمنطق بخنجر وحزام رصاص، وبندقية ملقاة على الرمال إلى جانبه..
الموروث والمحافظة عليه
لاشك أننا ينبغي أن نمسح الغبار الذي قد يلقيه الزمن فوق موروثاتنا المتعلقة بالزي الوطني الإماراتي ليبقى دوما حاضراً في ذاكرة الأبناء مثلما كان لسان حال الآباء والأجداد في حياتهم اليومية التي عاشوها بحلوها ومرها.
كان الناس في الإمارات قديماً، يشترون ملابسهم من محلات معدودة ومعروفة للجميع في الأسواق الشعبية، بعد أن تنتهي النساء من خياطتها، لعدم توفر خياطين من الرجال في ذلك الوقت لأن الرجل كان مشغولاً بالغوص، أو سارحاً فوق ركابه في الطروش المسافرة فوق الرمال بين الدواخل والسواحل في رحلة التعب والكد لتوفير لقمة العيش لأهله وعياله، لا يستقر في بيته إلا لفترة قصيرة فقط.
وكانت أهم أنواع الأقمشة المعروفة قديماً هي: الكورة والبفتة وبو تفاحة واللاس والشربت والصوف الذي كان نادراً نظراً لارتفاع ثمنه، رغم ذلك حرص المواطن الإماراتي اليوم على ارتداء أزيائه الشعبية وعدم التأثر بالأزياء الوافدة فهو يتمسك بزيه التقليدي في ميادين العمل والمناسبات الاجتماعية وغيرها ويستثنى من ذلك استحداث بعض التعديلات والإضافات التي طرأت على الزي الشعبي لدى الشباب والفتيات وان كانت تتجلى وتبرز لدى الإناث أكثر.
زايد
كان زايد رجلاً قوي البنية جداً، يبلغ من العمر حوالي ثلاثين عاماً، لحيته بنية، وجهه قوي ينم عن الذكاء، وعيناه خارقتان يقظتان. وكان يعطي الانطباع بأنه شخص هادئ، قادر، ذو عزيمة. وكان لباسه بسيطاً جداً، يتكون من قميص من قماش عُماني لونه بني فاتح، وصدرية غير مزررة، ويتميز عن رفاقه بعقاله الأسود وطريقة ارتدائه كوفيته التي كانت ملقاة على كتفيه بدلاً من أن تكون ملفوفة حول رأسه وفقاً للعادات المحلية.