لم تكن الحلقات المحيطة بالأرض بأجمل مما كانت عليه في السابق، فالناظر إليها من الفضاء يشعر أنها أجمل حتى من حلقات كوكب زحل، غير أن الفرق أن حلقات زحل تتشكل بفعل تراكم الغبار، أما الحلقات الأرضية فهي من صنع أيدينا، حيث أنها تتكون من المخلفات الفضائية المتكونة من بقايا آلاف الأقمار الاصطناعية التي كانت تعمل على مراقبة المناخ الأرضي، وتبث لنا البرامج التلفزيونية، وتساعدنا على فهم ما يدور من حولنا.
يشكل هذا السيناريو كابوساً لكل مهندس يعمل في مجال الفضاء، وهو يعرف بـ «متلازمة كيسلر»، نسبة لدونالد كيسلر، الذي كان يعمل في مركز الفضاء التابع لوكالة الأبحاث الفضائية «ناسا» الأميركية في ولاية تكساس، حيث قال عام 1978 إنه مع تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية في الفضاء، يزداد احتمال اصطدامها ببعضها البعض، ما يؤدي إلى تكون غيوم من الشظايا، التي تؤدي بدورها إلى مزيد من التصادمات، وهذا سيحيل الحزام المحيط بالغلاف الجوي، بعد فترة من الزمن، إلى مستودع مزدحم بالحطام والخردة، وستصبح المدارات مزدحمة لدرجة خانقة، ما سيؤدي إلى إغلاق الطريق أمام الرحلات الفضائية في المستقبل.
في العاشر من فبراير عام 2009 بدأ هذا بالحدوث، حيث اصطدم القمر الاصطناعي الروسي المعطل «كوزموس ؟ 2251» بقمر الاتصالات «إيريديوم 33» بسرعة بلغت 42100 كيلو متر في الساعة.
وأدى الاصطدام إلى فقدان قمر الاتصالات لأحد ألواحه الشمسية، وتعطله عن العمل، أما القمر «كوزموس» فقد دمر بالكامل، وتحول مدارا هذين القمرين الآن إلى طريق مليء ببقايا الحطام، التي تقدر شبكة مراقبة الفضاء العسكرية الأميركية أنها تزيد على 2000 شظية، تزيد الواحدة منها على عشرة سنتيمترات، ومن المرجح أن يكون نتج عن الاصطدام مئات آلاف من الشظايا الأصغر حجماً، التي لا يمكن رصدها من الأرض، نظراً لصغر حجمها.
لا شك في أن تلك الشظايا تشكل رعباً حقيقياً لمهندسي الفضاء، في كل مكان في العالم، فأية مواجهة بين الأقمار الاصطناعية، التي تسير بسرعات تبلغ عشرات الآلاف من الكيلو مترات في الساعة، مع تلك الشظايا سيكون قاتلاً، ويقول «هينر كلينكراد»، رئيس مكتب الحطام الفضائي في وكالة الفضاء الأوروبية في ألمانيا، إن قوة اصطدام أي جسم بشظية لا يزيد طولها على سنتيمتر واحد فقط، عند تلك السرعة المدارية، تعادل في تأثيرها تأثير تفجير قنبلة يدوية قريباً من القمر الاصطناعي، ويؤكد هينر أن اصطدام إيريدوم وكوزموس، ما هو إلا أول تلك الحوادث التي تدل على صحة متلازمة كيسلر.
ويذكر أن المخلفات الفضائية لا تتشكل من الأقمار الاصطناعية «الميتة» فحسب، وإنما تشتمل أيضاً على صواريخ المرحلة العليا المستنفدة، وهي تلك الصواريخ التي تحمل الأقمار الاصطناعية وتزرعها في مداراتها.
كما تشتمل أيضاً على المعدات، التي تفلت من أيدي رواد الفضاء مثل القفاز الذي أوقعه «إد وايت»، أول أميركي يسير في الفضاء، وصندوق المعدات الذي أفلت من قبضة «هيد ستيفانيشن بايبر عام 2008، عندما كان يسير في الفضاء لتأدية مهمة فضائية، كما أن الأغطية الواقية والأجزاء المتفجرة التي استخدمت لفصل المركبة عن الصاروخ قد تركت وحدها سابحة في مدارات حول الأرض. بعض تلك المواد تصل إلى الغلاف الجوي وتحترق فيه، أما البقية الغالبة فلا تزال تدور حول الأرض.
وقد رصدت شبكة مراقبة الفضاء العسكرية الأميركية أكثر من 12 ألف جسم يدور في مدار الأرض بأحجام تزيد على عشرة سنتيمترات، وثلاثة أرباع تلك الأجسام عبارة عن مخلفات فضائية، وتشير تقديرات المهندسين إلى أن أعداد الأجسام التي تزيد على سنتيمتر واحد مخيفة جداً، فهناك عشرات وربما مئات الألوف، لا بل الملايين منها، وكل واحد من تلك الشظايا قادر على تدمير قمر اصطناعي، وتحويله إلى قطع صغيرة، كما أن إطلاق أي صاروخ في الفضاء ينتج عنه المزيد من تلك المخلفات الفضائية، الأمر الذي يقربنا أكثر نحو تحقيق «متلازمة كيسلر».