محمد بن سليم من فريج المرقبات إلى مضمار الشهرة

تعلم في حياته أشياء عديدة مستفيداً من رفقة والده ـ الذي كان يعمل مستشاراً للمغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم ـ أثناء الصغر فتعلم التحدي وعدم الخضوع للصعوبات فأصبحت أبرز ما تعلمه في حياته إلى جانب التواضع وحسن معاملة الآخرين، وهو ما مكنه من حفر اسمه في صفحة مشاهير العالم والوصول إلى مراتب عالية، ليتحول إلى سفير رياضي من الطراز الأول.

ولم تمنعه الشهرة من التواصل مع الآخرين، ولم تحل بينه وبين إطلاقه مبادرات الخير التي تهدف إلى التبرع ورعاية «ذوي الاحتياجات الخاصة». فلم يعد «محمد بن سليم» سفيراً للرياضة فقط، إنما للخير أيضاً. وبالاطلاع على سجله، حافلاً بالنشاطات الرياضية، زاخراً بالبطولات والألقاب التي حصدها على مدار أعوام عدة، ليتوج بطلاً للشرق الأوسط في الراليات، ورغم توقفه عن المشاركة إلا أنه لم يعتزل السباق حتى اللحظة. في حديثنا معه عاد بنا «بن سليم» إلى الوراء نحو سنوات الطفولة الغضة التي تمثل بالنسبة له أجمل لحظات حياته، متذكراً أيام دراسته الأولى، حيث قال: «قبل كل شيء أود القول إن والدي كان مدرستي الأولى في الحياة، التي وعيت وتربيت وتعلمت فيها معنى الأخلاق وحسن المعاملة، فقد كان والدي رحمة الله عليه حريصاً على تعليمنا كل شيء.

وأعتقد أن قربي الشديد من والدي أفادني جداً، فقد كنت رفيقه في كل مكان سواء في رحلاته أو مجالسه، خاصة وأنه كان يعمل مستشاراً للمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، ووزيراً للشؤون المالية والاقتصادية في الدولة بعد إعلان الاتحاد». درست المرحلة الابتدائية في مدرسة الأحمدية، والمرحلتين الإعدادية والثانوية كانت في مدرسة المهلب الثانوية، وأذكر في تلك الفترة أن مرتبة المدرس كانت تضاهي مرتبة الأب وأحياناً تفوقها، وكنا نحترمهم كثيراً، لقد كان والدي مهتماً بتعليمنا. ومن شدة حرصه كان ـ رحمة الله عليه ـ يحضر لي المدرس ليعلمني في البيت، وأذكر أن مدرسي كان دائماً يسألني عن مواعيد تواجد والدي في البيت، لخوفه من الوقوع في الخطأ أمام والدي الذي كان ضليعاً في اللغة العربية».

الدراسة في بريطانيا... ويروي بن سليم إنه لشدة حرص والده على تلقيه التعليم، فقد كان يرسله أثناء إجازة الصيف إلى بريطانيا ليتعلم فيها أصول اللغة الإنجليزية، محاولاً بذلك إعداده للمستقبل، وحول ذلك يقول: «عندما بلغت سن الثانية عشرة، كان والدي أثناء إجازة الصيف يبعثني إلى بريطانيا لدراسة وتعلم الانجليزية، وأذكر أنني كنت أدرس في مدرسة داخلية في منطقة «هوشن». وعندما كان يتركني والدي في المدرسة كنت أتصل به وأبكي طالباً منه العودة إلي، وبالفعل كان والدي يعود ويأخذني لأنام معه في الفندق الذي ينزل فيه بصحبة الشيخ راشد، أما في السنة التالية قامت إدارة المدرسة بدمجنا في بعض العائلات الإنجليزية في المنطقة». ويذكر أنه زار مؤخراً إحدى العائلات التي عاش معها أثناء صغره، ويقول: «لقد أعادتني هذه الزيارة إلى الوراء نحو 30 عاماً، وفي الحقيقة لم ألمس أي تغيير في تلك المنطقة التي تركتها منذ 30 عاماً، وقد استقبلتني هذه العائلة التي تذكرتني بصعوبة بحفاوة بالغة».

ويشير بن سليم إلى أنه عندما كان يسافر إلى بريطانيا، يحاول جاهداً البحث عن تجمعات العرب، وإنه كان يفرح لملاقاتهم في الغربة.

ولكن ما الذي استفاده بن سليم من مكوثه في بريطانيا إلى جانب تعلمه اللغة الانجليزية؟.

على الرغم من وجودنا في بلد غربي إلا أن والدي كان يحرص على تحلينا بالأخلاق الحميدة، وأخذ الخصال الحميدة من الشعب البريطاني، ولا أنكر أن تلك الفترة قد أفادتني كثيراً برغم صعوبة الحياة، فقد تعلمت حسن معاملة الآخرين، والاعتماد على النفس ومواجهة الحياة بظروفها الصعبة.

الولع المبكر بالسيارات

وبعد انتهاء إجازة الصيف، كان بن سليم يعود أدراجه إلى دبي، ليعيش مع أقرانه ويمارس معهم لعبته المفضلة في السيارات، في حديثه هنا يلقي بن سليم الضوء على تلك الفترة فيقول: «بعد خروجنا من المدرسة، كنت ألتقي ورفاقي في منطقة المرقبات لنمارس لعبتنا المفضلة في السيارات.

ومن هنا بدأ ولعي وحبي للسيارات، وكنا نصنع لعبتنا هذه ـ أي السيارات ـ بأيدينا من سعف النخيل والإطارات التالفة وبعض قطع الحديد، وكنا نتسابق فيها، ويضيف: «نمت هذه اللعبة بداخلي حب السيارات، وهو ما انعكس على متابعتي لكل ما كانت تقدمه القنوات التلفزيونية رغم قلتها عن السيارات.

وما ينشر حولها في الصحف والمجلات التي كانت تصلنا في ذلك الوقت، وكنت استغلها جميعاً للتعرف على أنواع السيارات وسرعاتها وطبيعة محركاتها، وحتى أثناء تواجدي في بريطانيا كنت أجتهد في الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات حول السيارات، رغم عدم وجود الوعي الكافي بسباقات السيارات في تلك الفترة.

الدراسة في أميركا

بعد تخرجي من المدرسة، توجهت إلى الولايات المتحدة الأميركية لدراسة العلاقات الدولية، وقد لمست خلال تواجدي فيها طيبة شعبها وحسن معاملته لي، وأذكر إنني كنت أمارس هواية الرماية في إحدى النوادي المتخصصة وكان لدي سلاح مرخص استخدمه في الرماية.

أما على صعيد هوايتي في السيارات فلا أذكر إنني توجهت إلى أي سباق أو رالي للسيارات، رغم امتلاكي لإحدى السيارات السريعة، بالمقابل كنت اركز كثيراً على التعرف وجمع المعلومات حول السيارات وأنواعها المختلفة.

سباق أثار فيه التحدي

لم يكن بن سليم بعد عودته إلى أرض الوطن يطمح أو يفكر بالعمل في وظيفة روتينية أو الجلوس وراء مكتب، انما كان حريصاً على تنمية موهبته التي شغلته منذ الصغر عبر متابعة ومعرفة كل ما يتعلق بالسيارات.

بعد عودتي من أميركا بفترة وجيزة توجهت إلى إمارة العين لقضاء بعض الحاجيات، وأثناء عودتي منها إلى دبي، صادفت تجمهراً لبعض السيارات على جانب الطريق، وتوقعت أن سبب ذلك وقوع حادث سير مروع أدى إلى إثارة انتباه الجميع، وبدون تفكير توقفت بغية معرفة ما حدث.

وعندما سألت المتواجدين قيل لي أنه سباق للسيارات، وبالطبع فقد جذبني المنظر والسيارات المشاركة في السباق كثيراً، وبحثت عن القائمين عليه واستفسرت منهم عن مواعيد السباق ومتطلبات المشاركة فيه.

ويواصل: بعد عودتي إلى دبي توجهت مباشرة إلى الرائد «رائد خلفان» الذي استقبلني بحفاوة بالغة، نظراً لمعرفته القوية بالوالد، وعرضت عليه الفكرة وقد وافقني على ذلك ودعمني بتوجيهاته.

في الحقيقة أثار ذلك السباق في داخلي روح التحدي، والرغبة في المشاركة، رغم رفض أهلي القاطع لهذه المشاركة لما فيها من خطر على نفسي ومالي، لدرجة أن أخي الكبير قطع عني المصروف، ولكن إصراري على المشاركة أدى بي إلى بيع كل ما أملك للمشاركة فيه.

وبالفعل دخلت السباق وخسرت فيه لعدم امتلاكي لخبرة القيادة في السباقات، أما في الجولة الثانية فقد استطعت أن أحقق فوزاً اثار إعجاب الجميع بمن فيهم أهلي.

تحقيق بن سليم لذلك الفوز شجعه على مواصلة التمرن على قيادة سيارات السباق، تحت ظروف مختلفة، تمهيداً للمشاركة في سباقات أخرى، ورغم الضغوط التي كانت تعترضه في ذلك الوقت، توجه بن سليم إلى الأردن للمشاركة في الرالي الذي يقام سنوياً فيها.

ويقول مازلت أذكر حتى الآن الإحباط الذي أصابني إثر خسارتي الأولى في رالي الأردن، ولكن هذا لم يثن عزيمتي عن المواصلة، وبعد عودتي إلى دبي بدأت بالبحث عن شركات تدعمني في ذلك، وتمكنت من الحصول على دعم بسيط مكنني من المشاركة في راليات أخرى».

و«توجهت في العام التالي 1984 إلى البحرين وخسرت فيها، وبعدها شاركت في رالي قطر وحصلت فيه على المرتبة الثانية، وإثر ذلك حصلت على عقد مع شركة تويوتا وفيليب مورس وكان ذلك بالنسبة لي بداية الاحتراف، وصممت على العودة إلى الأردن والمشاركة في راليها والفوز فيه، تاركاً خسارتي وراء ظهري».

كانت تساورني مخاوف عديدة من الخسارة، وهذا ما دفعني لأفوز مرات عديدة. لقد كنت أعمل ليلاً نهاراً لتحسين مهارتي ولياقتي البدنية والذهنية، وقبل انطلاق الرالي بليلة كنت أتخيل كل منعطف في مسار الرالي من أجل التعوّد عليه ومعرفته كما أعرف راحة يدي، قبل انطلاق الرالي في اليوم التالي.

وخلال مسيرته الطويلة عمل بن سليم بالحكمة التي تقول «الضربة التي لا تقتلني تزيدني قوة»، ولذلك فقد حرص على التعلم من أخطائه السابقة، بالطبع، كنت أرتكب بعض الأخطاء، ولكني كنت أحاول دائماً تحويل جميع السلبيات إلى إيجابيات تصب في صالحي.

فهناك بعض الناس الذين تكون ردود أفعالهم سيئة نتنيجة ما يواجههم من عوائق في العمل، والبعض الآخر يغير اتجاهه تماماً لعدم استطاعته مواجهة الإخفاق مرة أخرى. ولكن الأمر في غاية البساطة، فجميعنا يتعرض للإخفاق في الحياة، وشخصياً أرى في ذلك تحدياً جديداً عليّ مواجهته والتغلب عليه لتحسين وضعي.

وتمكن بن سليم منذ العام 1986 من التربع على عرش بطولة الشرق الأوسط للراليات، والاحتفاظ بلقبها حتى عام 2002، وباستثناء الأعوام 1992 و1993 و1995 التي اضطر فيها للتوقف مؤقتاً عن الاشتراك في فعالياتها لالتزامه مع راليات دولية أخرى.

وكان بن سليم قد أطلق في العام 1991 رالي الإمارات الصحراوي، مستثمراً فيه خبرته العريقة في عالم الراليات وعزيمته وطموحاته لتأسيس الرالي والارتقاء به لأرفع المستويات ليصبح حدثاً رئيسياً بارزاً على روزنامة رياضة السيارات العالمية.

ومنذ ابريل 2006 تسلم بن سليم رئاسة نادي الإمارات للسيارات والسياحة الممثل الوحيد في الدولة للاتحاد الدولي للسيارات (فيا)، والاتحاد الدولي للدراجات النارية «فيم».

ويشرف النادي حالياً على كل أحداث رياضة السيارات والدراجات النارية الدولية التي يجري تنظيمها في الدولة، إلى جانب تقديمه لتشكيلة واسعة من الخدمات للسائحين والمسافرين، بالإضافة إلى إدارته لعملية مساعدة على الطرق في كل أنحاء الدولة.

يد للخير

وكما أسلفنا آنفاً، فإن الشهرة لم تقف حاجزاً بينه وبين أعمال الخير، وإسداء النصيحة لأبناء الجيل الحالي، ولذلك يحرص بشكل دائم على مشاركة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في كل المناسبات والأحداث التي ينظمونها.

وحول ذلك قال: «من الجميل مشاهدة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة يقضون أوقاتاً سعيدة، إنني سعيد جداً بمساندتهم في الأحداث التي ينظمونها، والتي توفر لهم ولعائلاتهم متعة لا حدود لها».

وأضاف قائلاً: «من الواجب علينا أن نكون متعاطفين ومتسامحين مع ذوي الاحتياجات الخاصة من كل الأعمار. إن برنامج التوعية بالإعاقة الذي يقف خلف هذا الحدث يستحق مساندة كل شرائح المجتمع في الإمارات».

وفي خطوة لمساندة ذوي الاحتياجات الخاصة، قام بتوقيع اتفاقية تعاون مشترك مع مشاريع الثقة لتأهيل وتشغيل ذوي الاحتياجات الخاصة ومقرها في الشارقة، تخول نادي الثقة إصدار رخص القيادة الدولية ودفاتر المرور الجمركية.

تجربة السفر

حقاً لقد كان استقبال الشعوب التي زرتها جميلاً، وكثيراً ما استقبلت بالورود والتصفيق، خاصة في الأرجنتين، ولم تؤثر جميع التصرفات غير المنطقية التي وقعت معي خلال رحلاتي جميعها على مقدار حبي للشعوب والدول التي زرتها، لأنني أعلم أن مثل هذه التصرفات لا تعكس إلا نفسية من قام بها، وليس أكثر.

الولايات المتحدة الأميركية واحدة من الدول التي تعجبني كثيراً، وأحب شعبها، أود زيارتها ولكن في الحقيقة ما اسمعه عن التشديد وعمليات التفتيش التي تقوم بها السلطات الأميركية في المطار تمنعني من الذهاب إليها لأنني لا أحب مثل هذه الإجراءات.

ويواصل: إلى جانب أميركا تعجبني البلدان العربية، لما فيها من تاريخ وطبيعة جميلة، وأتمنى زيارة فلسطين والصلاة في المسجد الأقصى، ولكن بسبب الظروف السياسية فلا يمكن لي زيارتها حتى لا يسجل أي موقف سلبي علي شخصياً وعلى بلدي.

بالمقابل يحب بن سليم أوروبا لتاريخها العريق، وقد أبدى استغرابه من أولئك الذين يسافرون إليها ولا يلقون أي اهتمام للمدن الأوروبية التاريخية، ولا يستغلون فرصة التعرف على أثارها وقلاعها ومتاحفها، ويذكر لنا إنه وأثناء تواجده في فرنسا قام بزيارة متحف اللوفر لثلاثة أيام متتالية.

من هواياته، قراء كتب التاريخ القديم، والتعرف على جديد التكنولوجيا، وقراءة الشعر، وزيارة الآثار، وتجذبه الصحراء بفضائها وهدوئها ويعتبرها علاجاً للنفس، ولذلك فهو مواظب على زيارتها والجلوس فيها، ولا يحب الموسيقى الصاخبة ويفضل الاستماع إلى طلال المداح ومحمد عبده.

غسان خروب