الرجولة لا تورث بل تصنع، هكذا هي حال ضيفنا عبد الله مطر الصيري الذي تقبل قدره كونه الأخ الأكبر بما تحمله هذه الصفة من تبعات ومسؤوليات في أن يكون القدوة والسند لاخوته، أشقاؤه 11 سبعة شباب وأربع بنات كان أبا منذ نعومة أظفاره ومعلما لإخوته الذين اقتدوا به.

وكان مستشارهم وخازن أسرارهم ليدرسوا ويتخرجوا ويصبحوا ذوي شأن وما زالوا يتحلقون حوله، درس في دبي وكانت الانطلاقة والدراسة الابتدائية بين عدة مدارس أولها عمر بن الخطاب ثم الجاحظ وأخيرا في مدرسة الأقصى لينهي فيها المرحلة الثانوية، درس المنهاج الكويتي حيث كانت الكويت تدعم التعليم آنذاك، وكذلك المدرسين الذين يأتون ضمن بعثاتها إلى أن قام الاتحاد وأصبح المنهاج إماراتيا، وكذلك المدرسون، ويقول: كنت منذ الصغر كما أسلفت محل ثقة الوالد والوالدة حتى أن الوالدة لم تكن تنشغل علي كثيرا عند تأخري وعندما يسألها أشقائي لماذا نحن فقط تسأليننا أين كنتم؟، وكانت تجيبنا ( عبد الله ريال وأصدقاؤه كذلك ).

الحياة العملية: أحب العمل بالقوات المسلحة فقرر الانخراط ضمن صفوفها فانتسب إليها مرشحا لتكون البداية في التدرج بين الرتب والمناصب القيادية فيها، أمضى السنة الأولى في دورة إعداد وكان التدريب في السودان شديدا ولا وقت للمضيعة، رغم حالة الانقلاب التي قادها سوار الذهب، وكانت هناك حالة من انتشار السوق السوداء والاحتياجات غير متوفرة إلا في فندق الهيلتون الذي كنا نذهب إليه من وقت لآخر، حتى لو أردنا احتساء الشاي. وكان عدد المنتسبين من الإمارات 32 فردا انسحب اثنان وكنت وقتها كإداري من ناحية تنظيم الإجازات وغيرها حتى أننا خاطبنا قيادة القوات المسلحة شارحين الوضع لهم فأرسلوا لنا طائرة محملة بكل ما نريد فسدت احتياجاتنا لمدة عام، وخلال تلك الفترة أخذنا إجازتين فقط واحدة في عيد الفطر والأخرى في عيد الأضحى.

وكان الضباط السودانيون شديدي المراس بدنيا وتكتيكيا وقائد المدرسة برتبة لواء يجري كل يوم مسافة 15كيلو مترا مع طلاب المدرسة ودائما كان في المقدمة، انهينا الدورة وعدنا إلى الوطن لتبدأ المرحلة العملية فتسلمت قائد فصيل ومن ثم قائد سرية وقائد كتيبة مدفعية وتقاعدت برتبة مقدم بعد 23عاما وأربعة أشهر.

وخلال تلك الفترة كانت الدورات التي اشرف عليها تنال المرتبة الأولى نتيجة العمل الجاد ولان معظم الأفراد كانوا متعلمين مهندسين وفنيين ولا اذكر أنني ظلمت أحدا، بل كانوا كلهم مثل أبنائي، ولكن كما تعلم الحياة العسكرية ليست وظيفة مدنية فالضبط والربط أساس العمل، ولكن سواء كنت جنديا أو ضابطا وتعرف ما عليك فانك تتجنب التأنيب.

واشهد لك أنني متقاعد منذ عام ونصف العام ومازال الجنود وصف الضباط والضباط على علاقة معي وهذا نتيجة حسن المعاملة وعندما تقاعدت بقيت ثلاثة أشهر أصحو باكرا ظنا مني أنني سأتوجه إلى العمل، وكوني عسكريا فأنا أحب كل شيء منظم وأحب أن أكون في المقدمة سواء في البيت أو خارجه، فالجيش هو بيتي الكبير والتزامي بالعمل مقدس، لم أتغيب أو أتأخر يوما.

ما أن تتوسط مجلسه يذهلك حسن التنظيم الذي ينم عن ذوق رفيع في الترتيب والتنسيق، والاهم حسن الاستقبال الذي يسبق كرم الضيافة، تحس بأطفاله الذين يقفون لتحيتك بأنهم يسبقون أعمارهم، كيف لا وهم المتربون في مدرسة والدهم الذي يعتبر رمزا في الأخلاق والتدين والكرم، يقول: اعتبر نفسي أبا قبل أن أتزوج، فمسؤولية إخوتي كانت كبيرة علي وهذا أخي غيث اصغر أشقائي ربيته وهو ابن لي واذكر عندما ولد في المستشفى كنت حاضرا واحتفظ بحبله السري في زجاجة حتى الآن موجود عندي.

ويأتيني من فترة إلى أخرى مازحا معي ومع زوجتي قائلا: أريد حبلي السري فتقول له زوجتي هذا سيكون هدية زواجك، زوجتي كاتمة أسراري ورفيقة دربي والتي تحملت معي المشقات واذكر أنني في الجيش لم احضر ولادة أحد أبنائي ولم أرها إلا بعد الولادة بفترة نتيجة الاستنفار أيام حرب الخليج وتحرير الكويت، اخذ رأيها في كل شيء، فهي وللأمانة مدرسة بحد ذاتها ربت وعلمت.

اثنتان في هذه الحياة استمديت قوتي منهما والدتي التي لا تتهاون مع احد في التربية وزوجتي التي تعتبر الشريك في تربية الأولاد، ونحن للصدق حاشية لها فانا لي من الأبناء خمسة بنتان علياء مهندسة ديكور وميرة تدرس الإعلام وسيف ومطر وعبيد لم افرض على بناتي شيئا، هن يحسن الاختيار، اعلم ابني سيف أن يكون كبيرا وأتمنى من الله أن أراه متحملا للمسؤولية ليعلم بدوره إخوته الصغار.

وهناك أمور لا استطيع التهاون فها، فأصدقاء أولادي يجب أن اعرفهم جيدا، وإذا حصل يوم قلت لأحدهم لا تصادق فلانا فلا يكون عن عبث أو من باب الرفض بل يجب أن اقرن الرفض بالدلائل ليقتنع أبنائي بذلك ، فالتربية خط احمر سواء من قبلي أو من قبل زوجتي .

الصداقة

أقف هنا ولا استطيع التعبير صداقاتي الكثيرة المبنية على المودة وحب الآخر، أصدقائي اعز شيء في الوجود ولا ننقطع عن بعضنا، صداقاتي على مستوى الدراسة أو الجيش أو الجيرة كثيرة واذكر فقط جزءا يسيرا منهم معالي الوزير محمد القرقاوي وإبراهيم عبد الرحيم ويوسف الهاشمي وعبد الله الجامع وعادل الجامع وعمر عبد الجليل ، وأنا اجتماعي بطبعي لا أفوت مناسبة إلا واجتمعنا في مجلس أحدنا، وهم إذا قرروا شيئا فيجب أن يأخذوا مشورتي في البداية إيمانا منهم بتنظيمي وحسن درايتي .

موقف لا أنساه

ذهبنا للعمرة في السعودية وكان المطار يغص بالمسافرين، فقام احد رجال الشرطة السعودية بالمطار إلى كاونتر الدبلوماسيين ونادى : أنت هناك تعال، فلم اعرف أنني المقصود إلى أن قال عيال زايد تعالوا عرفت أنني المقصود، توجهت إليه فقال لي والله عيال زايد ما يقفون في الطابور، الله يرحم أبوكم، وكم كنت سعيدا بهذا الموقف..

واذكر أنه كان عندنا مناسبة سعيدة في رمضان وهناك عزومة كبيرة إلى أن جاءنا الخبر الفاجعة موت الوالد والقائد الشيخ زايد غفر الله له، فكان منا أن ألغينا العزومة وكل المدعوين اعتذروا وكان عزاؤنا الوحيد أن الوالد إذا انتقل إلى جوار ربه بجسده فهو باق بيننا بأفعاله وسجاياه وما عمله للبلد. وفي الختام أنا لا اكره أحدا ولم اكذب يوما ولا أحب من يحمل هذه الصفات لست مزاجيا ولا أحب التغيير، والعطر الذي استعمله منذ 25 عاما لم أغيره واسمه (لودير)

أحب السفر كثيرا وسافرت إلى ألمانيا 16مرة، وأحب الآخرين وأحسن الظن بهم، وأهوى جمع نماذج مصغرة من السيارات وخاصة اللاندروفر، وأشجع المنتخب والنادي الأهلي يقول إبراهيم عبد الرحيم مدير القرية العالمية السابق بالمهرجان إن الحديث عن عبد الله الصيري ليس بالهين لأنك ستتكلم عن مجموعة من الصفات والشخوص في شخصية واحدة، انه الأب والقائد والمعلم والمربي الفاضل، وعلى صعيد العمل كان ولا يزال مثالا يحتذى في الانضباط والربط، ومحل ثقة القيادات به، وعلى الصعيد الشخصي اعتبره توأم روحي، أحب أن أراه كل يوم أو اكلمه، وبصدق هذا الرجل عملة نادرة ملتزم بقضاياه وقضايا كل من يعرفه لا يترك مناسبة إلا وكان في أولها، لا استطيع الكلام أكثر فمن يتكلم عن نفسه.

ويقول عبد الله الجامع رجل أعمال: (رغم بخله علي بالوقت ولو لخمس دقائق) إلا انه وعبر سماعة التلفون تحدث قائلا أبو سيف عرفته من زمن، عرفته طالبا وعرفته ضابطا وصديق سفر، وهو منظم إلى حد يذهلك، عصامي، وقدوة فيما يقوم به، وأب فاضل سواء لإخوته أو لأبنائه وحتى مع أصدقائه، من عرفه عن قرب بصدقه وحبه للآخر يقف إجلالا واحتراما لشخصه.

إضاءة

عبد الله مطر من مواليد 1964 درس للصف الثالث في مدرسة عمر بن الخطاب في فريج المرر ثم انتقل بعدها إلى مدرسة الجاحظ في الراشدية ثم انتقل إلى مدرسة الأقصى الثانوية حتى انتهاء المرحلة الثانوية، اقتنى سيارة داتسن وهو في الخامسة عشرة وكان لونها اخضر التحق بالقوات المسلحة مرشحا وأكمل دورة لمدة عام في السودان العام 1986.

وكان عدد المنتسبين للدورة من أبناء الإمارات 32 عنصرا انسحب اثنان وبقي 30 وكان التدريب في الكلية العسكرية من أصعب أنواع التدريب التي مرت عليه، ومن ضمن التدريبات التي كان يقوم بها الجري لمسافة 15 كيلو مترا، وكان قائد الكلية آنذاك برتبة لواء وهو أسرع طلاب المدرسة من ضباط ومنتسبين.

عبد المنعم الشديدي