تبقى منصة التكريم، حلم كل شاب موهوب مسرحيا، في مهرجان دبي لمسرح الشباب، الذي تقيمه هيئة دبي للثقافة والفنون، وترعاه منذ خمس سنوات، بهدف اتاحة مساحة للهواة المسرح، ففي هذا المهرجان السنوي، يتنافس هواة المسرح من الشباب على جوائز مسابقته، ويحلمون بالوصول الى منصة التكريم في الحفل الختامي، ثم ينفض السامر لتبقى اسئلة كثيرة تتناثر حول تلك المنصة، تدور حول محور: من استحق الجائزة ومن لم يستحقها؟ بغية فك اسرار قرارات لجنة التحكيم التي يتم اختيارها سنويا. وليبقى مراوحا بذلك، بين حلقات الهواية واشتراطات الخبرة في عوالم الخشبة.
مشهد اصبح يتكرر في كل عام، في نهاية الحفل الخاص بمهرجان دبي لمسرح الشباب، ليبقى السؤال الاكبر: اين موقع الدورة الجديدة للمهرجان من دوراته السابقة؟
جدل
حضر السؤال ذاته، في دورة هذا العام (الخامسة)، خصوصا وان رأيا جماعيا ساد المناخ الفني طيلة ايام المهرجان، التي امتدت من الاول الى الثاني عشر من اكتوبر 2011، حيث اجمع النقاد وضيوف الدورة الخامسة وكذلك المسرحيون، ومن بينهم الشباب انفسهم ايضا، على ان دورة هذا العام هي الاضعف، من حيث فنيات واطروحات العروض واشتغالات مخرجيها ومؤلفيها ايضا. وأرجع كثيرون الاسباب الى وجود 8 مخرجين يجربون حظوظهم الاولى على خشبة المسرح، الامر الذي اوقع عروضهم في كثير من نواحي النقص والبساطة، بل والسذاجة احيانا. وعلى الجانب الآخر كانت ادارة المهرجان، واللجنة التي اختارت العروض واجازتها لتشكل ملامح الدورة الخامسة من المهرجان، تؤكد على انها نجحت هذا العام في جذب الاسماء الثمانية، لتضيفها الى قائمة المخرجين الشباب على الساحة، وكانت الادارة سعيدة وهي تكرر هذا الرقم في تصريحاتها وكلماتها الرسمية التي اطلقتها اثناء حفل افتتاح الدورة الخامسة للمهرجان، وفي حفلها الختامي. اذ رأت ان ذلك يشكل مواكبة لأهداف اللائحة الداخلية للمهرجان، ولأهداف اقامته، فرعاية المواهب المسرحية الشابة، هي الجملة الاولى في جملة اهداف اطلاق المهرجان ورعايته وتوفير الدعم له، وان المهرجان هو حاضنة للمواهب، وخصوصا التجارب والمبادرات الاولى التي لا تجد الرعاية. كما يصر المنظمون، او ادارة المهرجان، على ان حرمان الشباب من دخول هذا المهرجان قد يسبب نفورا، ويولد لديهم موقفا ربما يدفعهم الى التخلي في بعض الاحيان عن احلام وطموحات المسرح، والادارة ترى ان هذا نوع من الاجحاف وكبح الطموح.
هوية المهرجان
في كلمته في حفل الافتتاح قال سعيد النابودة المدير العام بالإنابة، في هيئة دبي للثقافة والفنون: «ان الدورة الخامسة من المهرجان، شهدت هذا العام مشاركة واسعة من قبل الفرق المسرحية الاهلية، وهي المشاركة التي لم تكن حاضرة بهذا الكم من العروض في الاعوام السابقة للمهرجان. فهناك 11 عملا مسرحيا شبابيا و150 فنانا جديدا و8 مخرجين جدد، وهذا يشكل دليلا على نجاح المهرجان واستمراره في استقطاب المواهب المسرحية الشابة».
وفي تصريح مشابه، قال سالم باليوحة، مدير ادارة المشاريع بالهيئة «ان لجنة مشاهدة العروض لم تشأ هذا العام، استبعاد أي عرض مسرحي، خصوصا التي تقدم بها شباب يمارسون الاخراج والكتابة المسرحية للمرة الاولى، بهدف خلق جيل جديد من المسرحيين الشباب، ووضعهم على بداية الطريق، صحيح اننا قبلنا الحد الادنى في المستوى الفني واستيفاء الشروط، لكننا نراهن على فتح الفرص واتاحتها، فنحن لا نريد ان يجفل هذا الشاب من الساحة المسرحية بمجرد مواجهته بشروط فنية قاسية. لا نزال نسعى الى رفد الساحة المسرحية بالوجوه الشابة الجديدة ونؤكد حضورها، ومثلما استطاعت الدورات السابقة ان تنتج مسرحيين شباب في مجالات المسرح، من تأليف واخراج وتمثيل، فإننا نصر على مواصلة على هذا التوجه».
حقيقة، وفي ظل هذه النوايا الحسنة، كانت عروض الدورة الخامسة من المهرجان تواجه انتقادات حادة من قبل الضيوف والمتخصصين وبعض المسرحيين والمتابعين، خلال الندوات التطبيقية التي كانت تقام يوميا لمناقشتها، خصوصا وان نسبة كبيرة من عروض المهرجان جاءت خارج التوقعات، فكثير منها ذهب بعيدا عن موضوعات الشباب وهمومهم، بل ان كثيرا من العروض غابت عنه الروح الشبابية، سواء في صناعة الفرجة المسرحية، او في اطروحاتها وخطابها المسرحي، اذ راحت تستدعي انماطا من مسرح الكبار وتجتر اطرها في الاساليب القديمة، وجاءت تقنية الاضاءة والتعامل مع حضور الممثل على خشبة المسرح، لتشكل ملاحظة عامة حسبت في اطار كبوات المخرجين.
ملاحظات النقاد
دعا نقاد وضيوف الندوات التطبيقية في المهرجان بدورته الخامسة، الى طرح عدة اسئلة كانت مثار احاديث وجدل حول ما يجب ان يذهب اليه الشباب، وحول مستويات الاشتغال المسرحي في صناعة الفرجة المسرحية، والتخلص من تكلسات لا تزال تصيب الاداء التمثيلي، وفهم مضامين النصوص المسرحي. وفي هذا السياق، كان الفنان القطري غانم السليطي، اول من ثار على اصرار المخرجين الشباب خلال المهرجان، على اسلوب التعتيم في الانارة المسرحية، وتجاهل اظهار الممثل، وتناول موضوعات بالية. وقال في جملة الآراء التي اصر عليها في مداخلاته العديدة: «لا اعرف لماذا يهرب الشباب، وهم جيل الانترنت والبلاك بيري والفيسبوك من معالجة واقعهم الحديث مسرحيا، فهناك هروب الى اعمال (العواجيز) وموضوعات بالية، اكل عليها الدهر وشرب، من المفترض اننا في مهرجان مسرحي مخصص للشباب، وهذا المهرجان يصر على مطالبة المسرحيين باستقصاء مواضيعهم من بيتهم وبيئة همومهم، وهذه الايام نحن نعيش تاريخ الربيع العربي، افلا يجد الشباب في واقعهم ما يستحق ان يحضر الى الخشبة؟».
اما الفنان الكويتي عبد الرحمن العقل، والذي استمر لليوم الاخير في متابعة العروض المسرحية الشبابية، والمشاركة في الجلسات النقدية، فقد ابدى في اكثر من موقف، اتفاقه مع طرح القطري السليطي، بخصوص جانب ان عروض المهرجان هذا العام تبتعد كثيرا عن هموم الشباب وواقعهم، وقال «في مهرجان شباب، وفي هذه المرحلة، هناك رغبة كبيرة تسيطر على كل شاب مسرحي في ان يتمرد على الكلاسيكيات، لكن هذا نادرا ما يحدث هنا. الامر الذي اود أن انبه اليه الشباب، وهم يؤسسون لخطواتهم الاولى في المسرح، ان يتغافلوا تمارين (الطاولة)، فالعملية ليست مجرد تحريك ممثلين على خشبة المسرح ووضع ديكورات واكسسوارات، هناك حالات ادائية يجب تدارسها، وهناك تحليل للشخصيات، والمخرج الشاب يجب ان يدرب نفسه وفريقه على ممارسة تمارين (الطاولة) وهي ان يجلس المخرج وممثلوه لفترة كافية من الزمن، لتحليل ماذا تقول الجمل الحوارية، وكيفية ادائها، لأن هذا الامر الاهم في تأسيس العلاقة بين الشخصيات، وفي خلق التناغم الادائي، وفي فهم الممثل للشخصية التي يلعبها».
وكان العقل يؤشر يوميا، خلال الندوات التطبيقية على هذه النقطة، بعد ان لاحظ ان غالبية العروض، تكشف عن عجالة في التعاطي مع النص المسرحي، وغياب للجلسات الجماعية بين المخرج والممثلين، لتأمل مع ما سيقومون به على خشبة المسرح.
هواة ام شباب؟
الجدل الآخر الذي طغى على الندوات التطبيقية، خلال الدورة الخامسة لمهرجان الشباب، ما اثاره المسرحي الاردني غنام غنام، حين طالب ادارة المهرجان، بضرورة فك اللبس في توجه المهرجان والشعار الذي يرفعه، حيث قال في احدى مداخلاته «اننا نشاهد عروضا مسرحية في هذا المهرجان ونحتار في تصنيفها، وفي أي طريق نسلك ونحن نتعاطى معها نقديا، فهذا المهرجان اختلط فيه امران، ففي الوقت الذي يرفع فيه المهرجان يافطة مهرجان شبابي، نرى على الجانب الآخر، توجها لاحتضان تجارب الهواة، وهو ما يبرز بقوة في عروض هذه الدورة، وانا اطرح على القائمين على هذا المهرجان ضرورة تحديد التوجه. فاذا كان مهرجانا للهواة، فمن المعروف ان مهرجانات الهواة، لها اسلوبها الخاص في التقييم والتناول، واذا كان مهرجانا للشباب، فهذا يعني ان المخرجين الذين يأتون اليه يجب ان يكونوا مسلحين بخبرات مسرحية جيدة، لا تقل عن خمس تجارب اخراجية او ممارسات اخراجية سابقة. وهذا ما هو متعارف عليه في الساحات المسرحية العربية والغربية. فنحن هنا، وامام تجارب لمخرجين هواة يقدمون تجاربهم الاولى، نحار في اسلوب النقد الذي نعالج به اعمالهم. لهذا اطالب بفض الاشتباك بين التوجهين».
وبالرغم من الملاحظات القاسية التي افرزتها العروض المقدمة، والضعف الذي واكب اطروحاتها ورؤاها الاخراجية، الا ان المهرجان على الصعيد التنظيمي، كان يؤشر الى رعاية واهتمام كبيرين، فقد استطاع منظمو المهرجان ان يجذبوا الى عروضه، جمهورا غفيرا لم تشهده دورات سابقة، كما ان تفاعل ضيوف المهرجان والنقاد مع العروض، افرز حوارات وجدلا فنيا مثمرا، كما هو ايضا حال الندوات التطبيقية التي عادة ما يحجم عنها الجمهور، اذ تحولت مع غياب الندوة، الفكرية الرئيسية، الى ساحة لفتح حوارات مسرحية، ولتناول ظواهر في الحراك المسرحي المحلي والعربي، الامر الذي وفر حوارا وجدلا فكريين، واصاب بطريقة او بأخرى في الوصول الى آذان الشباب الذين هم بحاجة الى هذا النوع من الوعي، وايضا سماع ما يؤرق المسرحيين الرواد في مسرحهم العربي.
تأصيل الظاهرة
نجحت الدورة الخامسة لمهرجان دبي لمسرح الشباب، برغم ضعف العروض المسرحية، في كسب خطوة على طريق الرهان نحو تأصيل هذه الظاهرة في حياة دبي الثقافية، بصفة خاصة والامارات عموما. فعلى هامش العروض وجدليات النقد المواكب لها، كانت هناك فعاليات وورش، واهمها التي نظمتها ادارة المهرجان لمجموعة من المصورين الفوتوغرافيين الشباب، لتعلم كيفية القبض على اللقطة الدرامية في المسرح، دون المساس بالمشهد المسرحي وخدشه بإضاءة (الفلاشات)، فأنتج على هامش هذه الورشة مئات الصور، التي تعتبر لوحات فنية عالية الجودة، تم توظيفها في النشرة اليومية المصاحبة لفعاليات المهرجان.
واما النشرة اليومية، فهي ايضا شهدت قفزة نوعية خلال الدورة الخامسة للمهرجان، اذ اصر القائمون عليها على اشراك الشباب المسرحيين في تحرير مقالاتها، وبهذا تحولت النشرة الى ساحة لممارسة الحروف والكلمات، وتسجيل الآراء والملاحظات، ومن المعروف ان المسرحيين المحليين، سواء من الرواد او من جيل الشباب، يحجمون كثيرا عن كتابة المقالات. ونجحت النشرة في تكريس اسماء لمسرحيين من الفئتين بصورة يومية، الامر الذي رفع من اسهم تداول هذه النشرة بين الشباب. وحققت الدورة الخامسة من مهرجان دبي لمسرح الشباب، شيئا مهما على صعيد الادارة والتنظيم وجذب المزيد من الجمهور الى العروض، لكن تبقى الاسئلة التي تم توجهيها الى ادارة المهرجان، وكذلك جملة توصيات لجنة التحكيم، لتلقي بثقلها على التنظيم في العام المقبل. فهل سيستمر المهرجان في دعم التجارب الاولى للهواة، وبالتالي فإن هذا يعرض المهرجان لهبوط مستواه الفني؟ ام ستتبع الادارة ما اشار اليه النقاد ايضا في مسألة ضرورة توفير المشرف الفني وتحديد دوره، والذي سيرافق العمل المسرحي ويرافق المخرج الهاوي لأجل تجويد عرضه؟ ام ان الادارة ستعدل اللائحة الداخلية للمهرجان، بحيث تصبح المشاركة بالنسبة للمخرجين مشروطة بالتجربة السابقة؟
إنها اسئلة تضعها مخرجات الدورة الخامسة من مهرجان مسرح الشباب امام طاولة البحث، وامام الجهة المسؤولة عن هذا المهرجان، الذي اصبح ملمحا مهما في الساحة المسرحية المحلية.
مطالبات
طالبت لجنة التحكيم في تقريرها النهائي، لدورة المهرجان هذا العام (2011)، بضرورة إيجاد تفسير علمي ودقيق لمهمة الاشراف على العمل المسرحي والاهتمام باللغة العربية الفصحى، وضرورة إقامة ورشة متخصصة مصاحبة للمهرجان، توجه شباب الفرق المسرحية من ضيوف المهرجان، وأن تكون العروض ورشة مفتوحة للنقاش وللدراسة العملية، وتشكيل لجنة لتقويم النصوص المشاركة، وزيادة الاهتمام بدورات السينوغرافيا، وإقامة دورات ترسخ مفهوم التجريب المسرحي (تأليفاً وإخراجاً)، والحرص على أن يتمتع مخرج العرض، بخبرة مسرحية لا تقل عن ثلاثة أعمال في احد المجالات الفنية للمسرح.
لجنة التحكيم
يختار مهرجان دبي لمسرح الشباب سنوياً، اعضاء لجنة التحكيم من رواد المسرح المحلي والخليجي والعربي. وتشكلت لجنة الدورة الخامسة للعام 2011 من الفنانين والكتاب: جمال سالم رئيسا. وعضوية: حافظ امان، نجلاء الشحي، عبدالله صالح، الدكتور هيثم الخواجة ـ مقررا للجنة.