نجح الأديب جمال الغيطاني، في أن يكون صاحب مشروع روائي فريد، استلهم فيه التراث المصري والعربي، فبنى قاعدة تخليق شيق لعوالم روائية تصنف، حالياً، في خانة أكثر التجارب الروائية نضجا.

وهو يحكي، في حواره مع «مسارات»، عن رؤاه بشأن دور الادب ومهمته الاجتماعية، وكذلك أهمية التوجهات الروائية التي أوجدها الراحل نجيب محفوظ، اضافة الى اسباب تعلقه الشديد بمصر ورسوخ حبه لها في أعماق نفسه، وايضا ماهية رأيه حول ثورة يناير ومعترك الحياة السياسية والفكرية في المحروسة، راهنا ومستقبلا.

هل تجد ان هناك أوجه تشابه بين ثورة يناير وثورات أخرى سابقة لها في مصر؟

طبعا، هناك علاقة بين التاريخ (الماضي )والحاضر في مجتمعاتنا، فثورتا 1919 و1952 تتشابهان مع ثورة 25 يناير، وأهم عنصر في التشابه ذاك، الحركة المفاجئة ضمنها، نتيجة تفاعلات وتراكمات سبقت، ففي ثورة 52 وقبلها ثورة 19، وحدثت تفاعلات عديدة، أفرزت تلك الثورات، بحيث توهج الشعب المصري.

وأعلن راية العصيان على من استغلوا ثوراته وبات أملهم الوحيد جمع كل ما يمكن جمعه من أموال الشعب ونهبها، وهو الأمر الذي تكرر خلال ثورة يناير الاخيرة، والتي تنبأ بها البعض قبل حدوثها، ويحضرني هنا كتاب صدر عن الهيئة العامة للكتاب، قبل الثورة بعنوان «الأيام الحمراء» يحتوي على تفاصيل الثورة بحذافيرها نفسها، ويتنبأ بما سيحدث في ثورة 25 يناير.

كيف تنظر إلى المرحلة التي تمر بها مصر حاليا ؟

أستطيع أن أقول بأنها مرحلة ضعف فيها عناصر قوة، وهذا الضعف نتج عن عدم تبلور القوى التي قامت بثورة 25 يناير، مقارنة مثلا بثورة 1919 التي كان لها زعيم قوي التف حوله الجميع، ومع ذلك فمصر الآن فيها طاقة روحية جبارة لو أحسنت إدارتها، وفي الوقت نفسه، يوجد فيها مصادر خطر ممكن أن تستغل هذه الطاقة للعودة إلى القرون الغابرة.

يرى نقاد و باحثون كثر أنك من بين أبرز الروائيين العرب الذين اهتموا بالتراث الصوفي، وتجسد ذلك بشكل واضح في روايتك «التجليات».. ما سر نجاح الأديب في استلهام واستيحاء الخطاب الصوفي ومن ثم عكسه في كتاباته؟

يجب أن يتربى الأديب على الثقافة الدينية، فهي جزء لا يتجزأ من ثقافة الأديب، وأنا كمسلم لديّ ثقافة دينية واسعة، ففي البداية قرأت القرآن الكريم وكنت على دراية تامة بكافة مفردات تفاصيل الفرق والمذاهب الدينية الاسلامية. وعمليا فإن الخطاب الصوفي موجود يعيش في داخلي. وكل ما حدث هو أنني ترجمت ذلك على الورق. ولكنني فعليا، كإنسان متدين ومسلم، لا أسعى الى مناقشة الدين في اعمالي، بقدر ما أحلل مكونات الثقافة الدينية لديّ، ليصبح لها مدلول قوي على الورق.

نراك دائم الدعوة عبر حواراتك، الى ضرورة التوجه للتراث في زمن صراع الحضارات...

هذا مؤكد، فأحيانا أشعر بالخجل أمام اهتمام الغرب بأعمالنا التراثية أكثر من ما نفعل نحن، والآن على العرب أن يتوقفوا عن ذلك التجاهل، ويتجهوا نحو اكتشاف ذاتهم من خلال مناهجهم الخاصة وتراثهم.

وسأظل أردد أن الفلسفة الإسلامية هي الوحيدة القادرة على وضعنا في حوار حضاري مع الغرب، فهناك فلاسفة مثل : ابو أبو حيان التوحيدي وابن عربي، وغيرهم، قادرون بأعمالهم على مخاطبة العالم بحيوية بالغة، وعلى الرغم من هذا، فإننا لا نزال نتجاهل نشر كتب هؤلاء العظماء.

التاريخ أوحى إلى الاديب الراحل نجيب محفوظ، بكتابة «كفاح طيبة» من خلال استلهامه للمومياوات الفرعونية. كيف تأثرت انت بهذا التوجه، فعكست في كتاباتك تفاصيل التاريخ؟ وهل أن «الزيني بركات» أحد نماذج اعمالك في هذا الصدد؟

أجدني أشبه التاريخ بالبئر التي نستقى منها أعمالنا، وهو مادة خام جيدة لننهل منها.. ونشكلها كما نشاء. ورواية «الزيني بركات» من الروايات المهمة التي اشتقت احداثها من التاريخ. وسر نجاحها، تجسيدها في عمل درامي الدراما تلفزيوني..

واشير هنا الى ان أستاذي، الراحل نجيب محفوظ، عندما استوحى من التاريخ رواية «كفاح طيبة» كان أديبًا ذكيًا واعيًا، وعلى علم بأهمية التاريخ كونه مادة خصبة نستقي منها أعمالنا، وبالنسبة لي أستطيع أن أقول ان كل رواية من أعمالي، كانت تختار لغتها وأحداثها ومغامرتها الخاصة.

معروف عنك حبك لمصر الفاطمية ولآثار مصر العريقة وللجمالية والأزهر والأماكن القديمة.. كيف رسخ وتبلور هذا الحب، وقبلا كيف ولد؟

الإنسان الذي ليس لديه قديم ليس لديه جديد، أما أنا فقد عشقت مصر القديمة وتاريخها وآثارها منذ الطفولة، وزاد عشقي لها عندما قرأت أعمال أديب نوبل نجيب محفوظ، الذي ألهم بشكل رباني بأعماله التي تناولت مصر القديمة، ومنها «زقاق المدق» و»خان الخليلي».

وهل الأدب إلهام إلهي؟

جزء كبير منه توفيق إلهي ورباني، ثم تاتي عوالم مكونات الابداع وسمات ومهارات الاديب.

كنت تقدم على إحدى القنوات التفزيونية، يحكي عن الأماكن الأثرية ويعرضها للمشاهدين.. من أين جاءت هذه الفكرة ؟ ولماذا توقف البرنامج؟

أنا واحد من قلائل ترى ان عشق مصر القديمة لديهم، أبدي. ولذلك، عندما عرضت عليّ فكرة ذلك البرنامج، لم أرفض المشاركة فيه، ووجدت أن الفكرة مهمة وثرية، وكذلك ضرورية في شان عملية تربية أبنائنا منذ الصغر، على عشق كل ما هو قديم.. وبالنسبة لسبب توقفه، فكان ذلك بفعل انتهاء الدورة الدرامية، لكنني ماازال أؤكد على أن نهضة مصر، لن تأتي إلا من خلال العودة إلى التراث القديم.

ما الذي قدمته الصحافة لك ؟ وهل انها كانت فعلا مجال التواصل الفاعل مع الناس والغوص في تفاصيل حياتهم؟

إن الصحافة أعطتني الكثير، وكذا قدّمتني إلى الناس وساعدتني على تقديم آرائي وأفكاري ورؤاي إلى الناس.

ومسقط رأسك سوهاج في صعيد مصر؟

سوهاج بالنسبة إليّ، طاقة الحب والحياة والابداع، التي تجري لدي في مجرى الدماء في العروق.

أصبح كل طالب للشهرة، حاليا، سياسيا واجتماعيا، فما رأيك في هذه الحالة الي تستفحل راهنا في الوسط المجتمعي بمصر؟ وهل يمثل هؤلاء الدعاة، الدين، بشكل حقيقي؟

لا نستطيع أن نقول إن أكثرهم مدع ٍ، وإنما بعضهم، وهم عموما يمثلون صحوة دينية؛ لأن منهم من يحمل رؤى حقيقية وفكرًا جديدًا. 

تجربتان ثريتان

لا تقل التجربة الصحافية، لدى جمال الغيطاني، في ثرائها ومستواها الرفيع، عن تجربته في الرواية، إذ عمل كمراسل حربي على جبهة القتال، منذ العام 1969 وحتى العام 1974، ثم عمل في عدة صحف، وهو الان رئيس تحرير جريدة «أخبار الأدب» .حصل على مجموعة جوائز واوسمة، منها: جائزة الدولة التشجيعية في الرواية، جائزة سلطان العويس، وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وسام الاستحقاق الفرنسي من طبقة فارس.

لقطات مشوار

جمال الغيطاني، اديب وكاتب مصري، من مواليد 9 مايو 1945 في مركز «جهينة» بمحافظة سوهاج بصعيد مصر. نشأ في منطقة الجمالية بالقاهرة ( منطقة نجيب محفوظ، بالقاهرة القديمة). وهذا فعليا ما ترك أثره في ألوان وتركيبات الابداع الروائي لدى الغيطاني .