اعتدنا ، بين الفينة والأخرى، ظهور أنماط جديدة في الموسيقى والغناء، نجدها تتطور في أشكالها وفنونها بموازاة طبيعة تغير الأوضاع الاجتماعية والسياسية وحتى الاقتصادية في العالم أجمع، ومن بين أبرز هذه الأنواع، موسيقى الراب التي تعد أحد الفروع الرئيسة
في ثقافة الـ«هيب هوب». واللافت أنه باتت تلك الموسيقى، حالياً، غير مقتصرة على نطاق مهدها، الولايات المتحدة الأميركية، بل شرعت تنتشر وتتجذر في مختلف الدول والثقافات،
ومن بينها منطقتنا العربية.
يعني مصطلح «الراب»، ترديد الأغنية بقافية معينة، وأحيانا يتم التلاعب بالألفاظ حتى تتماشى مع قافيه الأغنية، من دون الالتزام بلحن معين. وقبل الدخول في تفاصيل الراب العربي، لا بد من التطرق إلى تاريخ هذا الفن ونشأته، إذ ظهر في الولايات المتحدة الأميركية، مع بداية عقد السبعينات من القرن الماضي.
وتحديداً في حي برونكس ضمن ولاية نيويورك، على أيدي مجموعة من الأميركيين الأفارقة، وبقي مقتصراً على الأحياء الأميركية حتى بداية التسعينات من القرن نفسه، حين شرع في الخروج إلى بقية دول العالم.
سمات
«الشعر الافريقي المقفى». هذا هو معنى مصطلح «الراب»: (رهيثميك أفريكان باوتري: Rhythmic African Poetry ). وربما أن للراب ميزة ينفرد بها، تكمن في عدم تركيزه على صوت المغني أو المغنية، كما في أنواع الموسيقى الأخرى، إذ يكون التركيز منصباً على الإيقاع الموسيقي نفسه، وكذا كلمات الأغنية.
ولذلك، فإن هناك من يعتبر أن الراب يقع في منطقة رمادية، بين الكلام العادي والشعر والنثر والغناء، وعادة ما يتحدث المؤدون في هذا النوع من الغناء، عن أنفسهم. ويستخدمون الموسيقى أحياناً في الكشف عن استيائهم وغضبهم من صعوبات الحياة، لذا فإن المدقق في طبيعة أغنيات الراب، يجد أنه يرافقها غالباً الحديث عن قضية شائكة في المجتمع الذي تنحدر منه أصول الأغنية.
برزت شهرة مجموعة كبيرة من المغنين في أميركا تحديداً، ضمن ساحات هذا النوع من الموسيقى، منذ بدايته، إذ تناول هؤلاء، في مضمون أغنياتهم، قضايا الحب والجنس والمخدرات والأسلحة والقتل، وحتى الجريمة وقصص العصابات والأموال، وغيرها.
ومن أبرزم: سبوني جي، ببليك إينمي، هيفي دي، بيغ دادي كين وران دي (اشتهر في الثمانينات من القرن الماضي)، إيمينم وفرقته «D21» التي أحدثت تأثيراً كبيراً في صناعة الموسيقى، حيث أتاحت الفرصة أمام الكثير من الفرق المبتدئة، لدخول عالم الراب، والتي تعد حالياً، الأنجح والأشهر في الراب الحديث (مثل 50 سنت، ذي غيم، ليل وين، كيني ويست).
مرحلة جديدة
أدى النجاح الكبير الذي حققه «الرابرز» (ممارسو ومتخصصو فن الراب)، في أميركا، إلى انتشار هذا النوع من الغناء خارج حدودها، وساعد في ذلك انتشار التكنولوجيا، فمع بداية الألفية الجديدة، أصبح الراب هو الفن الأسرع انتشاراً في العالم، إذ حظي بشعبية كبيرة في كل من: ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، اليابان، هولندا، البرتغال، منطقة الشرق الأوسط.
وأصبح هناك ملايين المعجبين به والمحبين له، حول العالم أجمع. وبات تأثير موسيقى الراب وأغانيه، في القت الحالي، واضحاً وقوياً، ولا يمكن إهماله. وكان لافتاً في هذا الصدد، دخول الراب إلى المنطقة العربية، مع بداية الألفية الثانية، إذ انطلق من المغرب العربي، إلى المشرق.
ومن ضمنه، وبشكل بارز، دول الخليج العربي. وأفرز انتشاره عربياً، ترسيخ مساحة مهمة من الجرأة في مضمون الأغنية العربية، أخذت تتناول معها أحداث وقضايا مختلفة، تشتمل على إسقاطات وإشارات مجتمعية متنوعة، وهو ما أنتج وجود جيل عربي يفضل هذا اللون من الغناء، كونه يجد فيه متنفساً للتعبير عما يعتمل في داخله. وبالمقابل، نجد هذا النوع الموسيقي الجديد في العالم العربي، يمثل مساقاً مغايراً للتسلية والترفيه من خلال الموسيقى
راب محلي
لم تكن دولة الإمارات العربية المتحدة، بعيدة عن متناول رياح فن الراب، فعلى الرغم من كثرة ادعاءات الفرق والمغنين في الدولة، الأسبقية في إطلاق أو إنشاء فرقة راب أو هيب هوب محلية، يبدو أن هناك شبه إجماع بين رواد ومحبي هذا الأسلوب الغنائي، أن مغني الراب الإماراتي الملقب جارم الخال، والذي ظهر في عام 1993، أول من أطلق أغنية راب إماراتية.
كما أنه يعد أول رابر في منطقة الخليج، وكذا هو الأكبر عمراً بين جميع المغنين. وتدور في منتديات الإنترنت حربٌ مفتوحة، بين عاشقي جارم الخال، ومن لا يؤيدونه أو يناصرون لونه الفني. إذ لا يتردد الفريق الأول، في التأكيد على أن جارم الخال، هو الأب الروحي لأسلوب الراب الإماراتي، كما أنه مرشد وقدوة مغني الراب الإماراتيين الذين ظهروا من بعده.
«أنا إماراتي»
وفي هذا السياق، تبرز بوضوح، تجربة الشاب الإماراتي خليفة الرميثي، والذي ألّف وأدى، برفقة عبد الله المرزوقي، أغنية «أنا إماراتي»، في مناسبة احتفالات الدولة بالعيد الوطني 39، والتي كانت أول أغنية وطنية إماراتية، من نوع الراب.
وتعود بدايات الرميثي، إلى العام 2005، عندما بدأ كتابة الأغاني وتلحينها بأسلوب الراب، وذلك باللغتين: العربية والإنجليزية، وكان يؤدي أغانيه بداية، من منطلق وأرضية كونها هواية، مشتركاً بذلك مع قريبيه: عبد العزيز وعيسى المرزوقي.
إضافة إلى زميله منصور النوبي. إذ كان هؤلاء جميعاً، يتابعون أداء أغاني راب ممتعة ومشوقة خلال المناسبات الخاصة والعائلية، من باب الترفيه والتسلية، لا الاحتراف. وتأثر الرميثي في بداية مشواره بمغني الراب الشهير توباك الذي اغتيل في عام 1996، إذ قدم هذا المغني.
وحسب وصف الرميثي، صورة واقعية عن مأساة مجتمع الزنوج الأميركي، وكذا قضايا التمييز العنصري والعبودية والمخدرات. وأعجب الرميثي أيضاً، بعدة مغنين آخرين، مثل: أمينال، كامليونير. كما حرص على أن تكون تجربته في هذا المجال، فريدة ومتكاملة، فثقّف نفسه فنياً في المجال، كما قرأ وتعلم أساليب الغناء الأخرى، كالروك والبوب.
فرقة إماراتية عالمية
لمع نجم فرقة إماراتية، في بداية الألفية الثانية، انطلقت بزخم كبير، وقمت أغاني راب مميزة، وهي: «عبري»، التي يقودها المغني الإماراتي حمدان عبري. ووضح تبني هذه الفرقة أسلوبي غناء «الجاز» و«الروك». وباتت تعد الأشهر في هذا المجال محلياً، ورشحت هذه الفرقة، بفضل أعمالها الرائدة، لجائزة «ام تي في» الموسيقية في أوروبا، عام 2008.
ويتنقل أعضاء هذه الفرقة بين لندن ودبي وعواصم العالم، خلال مختلف الفعاليات والمهرجانات، ومنها: «ووماد أبوظبي». ووصفت مجلة «تايم آوت»، أعضاء فرقة عبري: «أنهم من أفضل الفرق التقليدية التي شهدتها دبي على الإطلاق». واللافت أنه استطاع حمدان، ومعه فرقته «عبري»، مزج جملة ألوان غنائية غربية متعددة، بغرض تقديم موضوعات متعددة، وفق أسلوب فريد من نوعه، ورافق أعضاء الفرقة، عدد من أشهر الفنانين العالميين، أمثال: كاني ويست، تيم بلاند، جوس ستون.
بعد أحداث 11 سبتمبر وتبعاتها، انبرى شابان إماراتيان شقيقان، هما سالم وعبد الله دهمان، لتشكيل فرقة راب إماراتية، حملت اسم «حرارة الصحراء»، أخذت تقدم أغانيها بالإنجليزية. ويمزج الشقيقان في أغانيهما مفردات من اللغة الإنجليزية والعربية، كأغنية «هل كنتم تعلمون».
والتي تحدث الشباب الغربيين، وتشرح لهم، عن أمجاد العرب ودورهم الحضاري، سابقاً، في إسبانيا وغيرها من المناطق والدول. وتحكي أغنيتهما «إنذار إرهابي» عما يدور في نفس انتحاري وعقله، قبل إقدامه على ارتكاب فعلته.
أسطورة قصي
يكاد المغني السعودي قصي خضر، والملقب بالأسطورة، أن يكون من أشهر مغني الراب في منطقة الخليج، وهو أول فنان من المملكة، يحترف في حقل هذا اللون الموسيقي. وتعود أسباب وعوامل ولوج قصي وإبداعه، في هذا المجال، إلى إقامته في الولايات المتحدة، التي درس فيها، خلال الفترة، من عام 1996 وإلى العام 2005، وحصل آنذاك، على شهادة البكالوريوس في تخصص إدارة نظم المعلومات، وعلى الماجستير في «الموارد البشرية».
وشهد العام 2007، والذي يعد مرحلة البدايات في مشوار قصي، إصدار أول ألبوماته في موسيقى الراب: «قصي»، إذ تطرق فيه، إلى قضايا الزواج والعلاقة الأسرية. ومن ثم تناول قصي في ألبومه الثاني، بعنوان «إكسبيرمنتال أيديو تينمنت»: ( Experimental Edutainment)، مجموعة رسائل إنسانية واجتماعية.
ومن بينها رسالة تخاطب الشباب العربي والسعودي خاصة، حول العديد من المشاكل والقضايا التي تهمه، كما هو في أغنية «الوظيفة»: (the job)، مناشداً إياهم عدم الاستسلام إلى البطالة، ومتابعة البحث عن وظيفة. كما أنه غنى للأب.
وفسر قصي إقبال الشباب على ألبوماته: «ثقافتنا العربية جائعة إلى كل ما هو جديد». ويرى العديد من المعنيين، أن نجاح قصي في هذا اللون الغنائي، ناتج عن تقديمه خلطته الخاصة في عالم الهيب هوب، مضيفاً لمسته المتميزة، إلى هذا اللون الغنائي.
«دام الفلسطينية»
يكاد يكون فريق دام الفلسطيني، من أوائل فرق الراب التي نشأت في المنطقة العربية. واكتسب أعضاؤه (القادمون من مدينة اللد الفلسطينية، ضمن حدود فلسطين المحتلة عام 1948)، شعبية كبيرة خلال السنوات الماضية، امتدت لتشمل بقية المدن الفلسطينية (الضفة الغربية). وتتألف الفرقة من: تامر النفار وشقيقه سهيل، ومحمود جريري.
وتعود تسمية الفرقة بـ«دام»، إلى الديمومة والاستمرار. ويبدو أن السبب الرئيسي لنشأة هذا الفريق، وحسب تصريحات تامر النفار، طبيعة مدينة اللد التي وصفها، أنها كالحارة الواحدة الكبيرة. وأيضاً، وصف سكانها بمن يمثلون غيتو عربي كبير.
وذلك في ظل خصوصية وضعها، إذ يختلط فيها العرب مع اليهود. وكذلك ترتفع ضمنها معدلات، الجريمة وتجارة المخدرات والبطالة. ويشير أعضاء الفرقة (الثلاثة)، إلى تشابه ظروفهم الحياتية، وخاصة في النشأة، إذ إنهم شبوا ووعوا في مناطق سكنية مؤلفة من بنايات قديمة. كما انهم يعيشون في شوارع بلا أسماء في هذه المدينة.
وبذا، وطبقاً لما يؤكدونه، هم يعدون فريقاً مثالياً في ملاءمته لهذا النوع من الفن المعبر في الغالب، عن قضايا المظلومين. وأصدرت فرقة (دام) أول ألبوم فلسطيني لموسيقى الراب، بعنوان (إهداء)، تضمن العديد من الأغنيات، تتحدث عن السياسة والحياة الاجتماعية. وكذا عن الحب والإنسان. وأيضاً تعالج كلمات الأغاني قضايا اجتماعية متنوعة، مثل عدم المساواة بين الجنسين.
وتستهجن كلمات أغاني (دام) تعاطي المخدرات والجريمة، على خلاف كلمات أغاني الراب الغربية، وكذا تتكرر فكرة الحصار بين الثقافتين الفلسطينية والإسرائيلية، في موسيقي فريق دام، ولذلك نجد أن غالبية كلمات أغاني الفرقة، عربية. ولكن أعضاءها يغنون أحياناً بالانجليزية والعبرية، وتمكنت اغنية «مين إرهابي» من وضع الفريق على طريق الشهرة في العالم، وجرى تحميلها من موقع الفريق الالكتروني، أكثر من مليون مرة في عام 2001. وحصل فريق (دام) على جائزة «القطان التقديرية -لعمل فني مميز»- 2006. وذلك عن ألبومها «إهداء».
وبخلاف فرقة دام، أسس الفلسطيني فيصل المنشاوي، أول فريق راب في قطاع غزة، يحمل اسم «أر أف إم» (وهي اختصارات لألقاب أعضاء الفريق: رامي وفيصل ومحمد)، ويعمل فيصل، ومن خلال أغاني الفرقة، على فضح أساليب الاحتلال، وإيصال صوت الشعب الفلسطيني إلى العالم الغربي، وهو يحاول عبر أغنياته، أن يبين مدى الظلم الذي يعانيه الفلسطينيون، نتيجة قمع الاحتلال الإسرائيلي.
وبحسب المنشاوي، فإنه تأثر بالراب كثيراً أثناء وجوده في تونس، حيث لم يفكر حينها في تأسيس فريق للراب، إلا أنه وجد هذا اللون الموسيقي، أنسب وأفضل طريقة لتوضيح مدى قسوة حياة الشعب الفلسطيني ومعاناته، في ظل الاحتلال، كما وجد فيها طريقة مناسبة لإبراز بعض الظواهر السلبية في المجتمع الفلسطيني.
وتبرز سمات متعددة لهذه الفرقة، إذ يكتب المنشاوي كلمات أغانيه بنفسه، وكذلك بالاشتراك مع صديقه محمد، عقب تحديد الفكرة. وهما يشيران في هذا السياق، إلى أن اختيار الكلمات يعتمد على اختيار المغني وموضوع الأغنية، وانهم يغنون من منطلق إحساسهم بالواقع.
مكي.. الأشهر مصرياً
برز في مصر، العديد من مغني الراب، وأشهرهم أحمد مكي الذي قدم أخيراً ألبوماً جديداً بعنوان «أصلي عربي»، وقد تفرغ مكي للراب، بعد احترافه فن التمثيل، وتقديمه مجموعة من الأفلام، إذ أعلن اعتزاله التمثيل واحترافه الراب، في العام الماضي.
وحينها أطلق أغنية بعنوان «فيسبوكي»، اعترض فيها على العديد من الممارسات التي تجري على موقع التواصل الاجتماعي الـ«فيسبوك». ويعتقد مكي أن فن الراب أصله عربي، ويعود إلى مبارزات الهجاء في شبه الجزيرة العربية قديماً.
وقال مكي الذي قدَّم أغنيات فردية ناجحة من نوع موسيقي الراب، خلال السنوات الخمس الأخيرة: «درست كل أنواع الموسيقى، قبل دراستي الإخراج. وأحب (الراب)، وهو فن إلقائي ويتطلب إحساساً عالياً بالإيقاع. وفي الوقت نفسه، يتطلب الإلمام بموهبة الكتابة».
وأكد الممثل الشاب أن الراب فن عربي بالأساس، بدأ في شبه الجزيرة العربية في سوق للمبارزات الكلامية والهجاء والارتجال. وقال: «هذه الثقافة وصلت إلى إفريقيا عن طريق التجارة، فوضع الأفارقة هذا الكلام على الإيقاع؛ لأنهم بارعون في الإيقاع واستخدام الطبول».
وفي مصر أيضاً، برزت فرقة «روك رو» التي تتألف من خمسة شبان، وهم: ميدو، افرو، استيكا، اورجندي، ميكا. واختاروا أغنيات الراب، لأنه يمكنهم من خلالها، استخدام كلمات بسيطة وإيقاع سريع، يصل بسهولة إلى كل من يسمعه، فضلاً عن أنهم تمكنوا من الدمج بين الراب المصري ونظيره النوبي.
وكان لأحداث ثورة يناير 2011 في مصر، كبير الأثر في بروز مجموعة من محترفي الراب، أبرزهم: «الرابر» رامي دونجوان، والذي قدم أغنية بعنوان «ضد الحكومة»، قبل تفجر ثورة 25 يناير، بأيام قليلة، ثم أتبعها بأغنية أخرى، حملت في كلماتها، مشاعر القلق التي تنتاب المصريين، وصورت قناعتهم بأن مطالبهم لم تتحقق بعد. ومن وحي ميدان التحرير قدم الرابر المصري «تاكي»، أغنية بعنوان «مسيرة مليونية في ميدان التحرير».
المغرب العربي
لا يمكن للمبحر في عالم الراب العربي، أن ينكر كون منطقة المغرب العربي، السباقة في هذا المجال، وهي أول أرض عربية تأثرت بغيوم الراب، إذ بدأت هذه الموسيقى في الوصول إلى المغرب، مع بداية التسعينات من القرن الماضي، ومن ثم انطلقت تفاعلات نشأتها الأولى في مدينة الدار البيضاء، التي تمثل روح الحداثة في المغرب، كما تشكل أكبر سوق تستقبل مختلف الألوان و«الصيحات» الإبداعية الجديدة، القادمة من أطراف العالم.
وكان عقد السبعينات من القرن الـ20، زمناً فريداً وعذباً في جماليات موسيقاه ضمن المغرب، إذ استطاعت خلاله فرقة «ناس الغيوان» كامتداد لظاهرة «الهيبيز» العالمية، أن تتماس بشكل لافت مع هموم الشباب وتطلعاتهم ومطالبهم الاجتماعية والسياسية وأن تترك صدى واسعاً داخل المغرب وفي أوربا والعالم العربي.
وجاء بعد ذلك، زمن الراي، في الثمانينات من القرن نفسه، حيث كان هذا الأسلوب الغنائي القادم من الجزائر ومن شرق المغرب، الأكثر حضوراً وتأثيراً في أوساط الشباب الذين حفظوا أغاني الشاب خالد. وتعلقوا بالشاب حسني الذي تم اغتياله أثناء الحرب الأهلية الجزائرية، كما تفاعلوا مع أغاني المغاربة: ميمون الوجدي ورشيد ورزقي وعمرو، خلال بداية التسعينات، فكان الراي هو الأبلغ والاهم تعبيراً، بالنسبة لهم، عن الفشل العاطفي والاجتماعي وعن انهيار الأحلام.
وفي التسعينيات من القرن الـ20، زاحمت أغنيات الراب والهيب هوب، أغاني الراي، وتمكنت من جذب الشباب المغربي. ولعل أغنية «باغي نعيش»: (أريد أن أعيش)، التي قدمها «القيصر»، وهو أحد رواد الراب في المغرب، تلخص جميع ما يطمح إليه الشباب الذين يعانون البطالة وغلاء المعيشة والفساد الإداري، وغير ذلك.
ضد «الحكرة»
يعد فن موسيقى الراب في المغرب العربي، أحد أشكال الاحتجاج ضد ما يسميه المغاربة «الحكَرة»، أي التهميش والإقصاء، وعدم إعطاء أي اعتبار للطبقات الفقيرة، ولعل اسم فرقة «آشكاين؟/ ما الذي يقع؟» .
التي تأسست أواسط التسعينات بمدينة مكناس، كافٍ للتدليل على هذه الروح الاحتجاجية التي كانت سبباً في بروز مجموعات الراب المختلفة، وإن كان هذا الاحتجاج عنيفاً في معظم الأحيان، حيث لغة الشارع بكلماتها البذيئة وبشتائمها المقرونة في الغالب بمفردات جنسية.
«الفناير» المغربية
تمثل فرقة "الفناير" أو "الفنارات" المغربية، والتي تأسست في مدينة مراكش، النموذج النقيض لـ "البيغ" :(المؤلفة فقط من الفنان توفيق حازب)، المعروفة بأنها تناهض التهميش عبر اغاني راب لا تبتعد عن استخدام لغة بذيئة، ويبدو أن أفراد فرقة "الفناير" مقتنعون بأن الراب هو ثقافة ورسالة يجب أن توصلها إلى الطرف الآخر بطريقة محترمة، ولذلك فهم ضد اللغة البذيئة في الراب، وهم على يقين تام بأن اللغة العربية لديها مخزون ضخم ومحترم تساعد على إيصال الفكرة أو الرسالة المطلوبة.
ومع وصول فصل الربيع العربي وتنامي حركة 20 فبراير بالمغرب، ارتفعت حدة الاحتجاج لتبلغ ذروتها مع الرابر معاذ، الملقب بـ (الحاقد) .
الراب العربي سينمائياً
وفي سياق الحديث عن الراب العربي، لا بد من التطرق إلى التجارب السينمائية التي تناولت هذا الجانب، حيث سبق وأن تم انتاج فيلم وثائقي بعنوان:" سلينغ شوت هيب هوب":(Slingshot hip-hop)، للمخرجة الأميركية، فلسطينية الاصل، جاكي سلوم، تحكي فيه عن قصة شباب فلسطينيين اتخذوا من موسيقى الهيب هوب والراب، أسلوبا جديدا للتعبير عن آلام الشعب الفلسطيني، الذي شتته الاحتلال.
ويجمع الفيلم شبابا من مناطق مختلفة، مثل فرقة "دام" الفلسطينية، وفرقة "بي آر" من قطاع غزة، بالإضافة إلى آخرين من عكا والضفة الغربية. وتدور أحداث الفيلم في قالب توثيقي يرصد حياة هؤلاء الشبان اليومية، ويفسر كيف كبرت موسيقى الراب معهم لتصبح سلاحا جديدا يستخدمه الفلسطينيون في الدفاع عن حقوقهم أمام العالم أجمع. وتروي المخر
جة سلوم، قصة الشعب، ترجم مفردات آلامه اليومية، إبداعات إلى موسيقية وشعرية مميزة، وفي الوقت نفسه، تأمل تقديم قضية هذا الشعب، من خلال فيلمها هذا، بعيدا، إلى حد ما، عن نمطية السياسة. كما يصور الفيلم الصعوبات التي تواجه هؤلاء الشبان خلال ممارستهم لأبسط الأمور، كالغناء.
فيلم «الراب العربي»
أنجز فيلم وثائقي بعنوان "الراب العربي"، تم اختياره ليكون من بين فيلمين اثنين، يعتمدان في المدارس الثانوية ضمن منطقة الكيبيك الكندية. كما شارك في المسابقات الرسمية لحوالي 12 مهرجاناً سينمائياً دولياً، عقدت في العام الجاري 2012، مثل: مهرجان تورينتو، مهرجان أطلنطا الدولي في الولايات المتحدة، عدة مهرجانات أوروبية متخصصة.
ويتناول الفيلم قصة أربعة شبان من جهات مختلفة، لكنهم يتكلمون اللغة العربية ويغنون الراب. ومعهم، نجد أنه، من مضيق جبل طارق وإلى منطقة الخليج العربي، تتناغم الألحان وتتقارب الكلمات، لتعبر عن همٍ مشترك. وعن حالة من حالات التهميش والرفض.
واختار هؤلاء الشبان، ضمن الفيلم، الكلمة القريبة من الجمهور المعاصر، لتكون أفضل سلاح وتعبر عن فن الشارع وعن ثقافة الشباب الرافض إزاء أوضاعهم في المدن العربية، مقتفين في ذلك أثر أقرانهم في المدن العالمية، وهذا الفيلم من انتاج الجزيرة الوثائقية و«تي في 5 الكيباك» و«راديو كندا» وشركة «سوديك». وهو من بنات أفكار جاك لينا، ومن إخراج بشير بن الصادق.
راب ثورة يناير
المتابع لتطور أغاني الراب المصرية يجد أنها انتشرت بكثافة على شبكة الانترنت، كما انتعشت خلال السنوات الخمس الماضية، بشكل لافت. وزادت من انتشارها التطورات السياسية التي حدثت في مصر خلال هذه السنوات، مثل: بلورة خطة توريث السلطة، تزوير الانتخابات، الإفراط في النهب والفساد والظلم. وطبعا، حيثيات ما يحدث في مصر، خلال هذه الفترة. واللافت أن القليل من أغاني الراب المصرية تتغنى بالحب والعشق واللوعة، بينما الغالبية المطلقة تدور حول قضايا حياتية وسياسية.
وفي المقابل، يجد المتابع للراب المصري ان الأزمة التي تفجرت بين مصر والجزائر، عقب مباراتهما في كرة القدم، التي اقيمت في السودان عام 2009، أدت الى اصدار العشرات من أغاني الراب، إلى جانب أغانٍ عدة، تحكي عن الفقر والفقراء في مصر، وكذا عن الحقوق الضائعة والغالبية الصامتة. علاوة على المشاكل الشخصية، ومنها: عدم تقبل الأسلوب العقيم للتعليم في المدارس، التضييق من قبل الأهل على المراهقين والمراهقات في البيت، وغيرها الكثير.
أول رابر سعودية
فاجأت السعودية مي منضور لجنة تحكيم برنامج «أرابس غات تالينت»، في احدى حلقاته، بموهبتها وادائها المميزين، إذ قدمت أثناء مشاركتها في البرنامج، أغنية تتناول أهمية المال في حياتنا اليومية، ولقيت مي استحسان وتشجيع لجنة التحكيم، خاصة وأنها تعد أول فتاة سعودية تحترف فن الراب.
وفي المقابل، كان فن الراب قد أثار خلافاً بين مقدم البرنامج قصي خضر، وأعضاء لجنة التحكيم ناصر القصبي وعلي جابر، في البرنامج ذاته، إذ اعترض الأخيران على المواهب التي تقدم فن الراب في البرنامج، وهو ما أدى إلى خلق حالة إحباط عامة في أوساط المشاركين، لينتهي الأمر بحل ودي بين الطرفين.
«أولد سكول»
يمثل «أولد سكول»، مصطلحاً فنياً خاصاً، ظهر في الفترة ما بين عامي (1979 - 1988)، وهو يدلل على نمط الراب البسيط. ويجسد صورة محددة لهذا النهج الموسيقي، إذ اقتصر لون الراب، حينذاك، على الأحياء الفقيرة. وكانت كلمات الأغاني تدور حول الحفلات وقضاء الأوقات الممتعة.
بدأت هذه المرحلة لموسيقى الراب، من خلال نشوء «RunD.M.C»، التي تعد أول فرقة أغاني راب، كانت تغني الـ(راب ـ روك)، إذ تغير في هذه الفترة، وجه الراب، مع إطلاق الفرقة تلك، ألبوم: «رايزينغ هيل»:( Raising Hell )، في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، ومع هذا الألبوم بدأت لغة العدوانية والقوة، تطغى على كلمات أغاني الراب.
فرقة وقضية
تعد القضية الأمازيغية من أولويات فرقة الراب المغربية "إثران كلان"، نظراً لما يعانيه الأمازيغ في الجنوب الشرقي، من إقصاء وتهميش- حسب اغنيات الفرقة. وتأتي الموضوعات الاجتماعية لدى الفرقة، في الدرجة الثانية. وللمجموعة ألبومان، الأول تحت: "إنكراتنغ"، ويحتوي على ست أغاني، ويتحدث عن الروابط المتينة التي تجمع كافة أفراد المجتمع الأمازيغي.
أما الثاني فهو "باركان افستي"، ويعالج ظاهرة الصمت التي تعيشها بعض مكونات المجتمع، من القهر والذل اللذين يطالهما، وكذا الخوف الذي لا يزال يسيطر على بعض الشرائح المجتمعية، التي تتخذ من الصمت ملاذا لها.