الباحث والصحافي الفلسطيني جباره البرغوثي الذي صدرت له كتب عديدة منها كتاب أتباع الشيطان والمرأة: الحب والجنس، يتناول في كتابه الجديد «تاريخ الخليج العربي» الدور الوسيط المهم الذي لعبته هذه المنطقة منذ آلاف السنوات بين الحضارات، التي قامت في بلاد الصين والهند وتلك التي ظهرت بين دجلة والفرات ووادي النيل،
حيث لعبت دول هذه المنطقة دورا مميزا في التقريب بين الحضارات، عن طريق النقل المباشر لما حققته تلك الحضارات من إنجازات، كما انتقلت فوق مياه الخليج سفن المصريين واليونان في عهد الاسكندر المقدوني، ونشطت التجارة الفينيقية معه فنشأت الوكالات والحواجز لاسيما في أرخبيل البحرين وحملت بعض المواقع العمانية أسماء فينيقية مثل صورة وصويرة،
ومع قيام الدولة الفرثية في منطقة ما بين النهرين تعزز الوجود العربي في الخليج وتعززت معه التجارة والملاحة أيضا، وفي مرحلة الدولة الأموية والدولة العباسية تعاظم هذا الدور ما أدى إلى ازدهار التجارة البحرية بين أرجاء الدولة العباسية الممتدة بين آسيا وأوروبا . في البداية يدرس المؤلف الجغرافية البشرية للخليج العربي، الذي سادت على ضفتيه مجموعة من القبائل العربية المنتسبة إلى جزيرة العرب، ومن هذه القبائل يذكر عرب المطاريش وعرب الهولة وعرب بندر ريق وبنو كعب.
أما على الشاطئ الغربي ورأس الخليج فقد بقيت القبلية والعشائرية هي المسيطرة وأهم القبائل التي سكنت هذا الشاطئ قبائل المنتفق التي كانت تتوضع بين البصرة وبغداد، وبنو خالد في منطقتي الإحساء وقصيم والقواسم سكان الشاطئ الجنوبي الشرقي في منطقة الإمارات، والعتوب عشائر شمال الخليج الذين انتقلوا من شبه الجزيرة إلى قطر ومن ثم إلى البحرين، وهم يشكلون تحالفا قبليا يضم قبائل متعددة .
إن أهمية موقع هذه المنطقة جغرافيا و ملاحيا جعلها عرضة للتدخل الأجنبي منذ وقت مبكر، ففي بداية عصر النهضة الحديثة أصبحت منطقة الخليج العربي محط أنظار الطامعين الأوروبيين لأسباب تجارية ودينية أيضا حيث استخدم العمل التبشيري وسيلة لأجل التغلغل في المنطقة كما فعلت أميركا في نهاية القرن التاسع عشر، إذ أقامت أول مركز تبشيري في مدينة البصرة جنوب العراق ثم في الكويت.
أما في مرحلة التغلغل الصيني في البحار الغربية فإن سيطرة التتار على طريق الحرير قد دفع بهم إلى القيام بعدة حملات بحرية استهدفت الحملة الرابعة منها سواحل الخليج العربي ووصلوا في الحملة الخامسة إلى سواحل عدن ولم تتوقف الاتصالات هذه المرة على تبادل السفارات مع سلطان المدينة بل أرسلوا بعثة إلى مكة لكسب ود حكامها بسبب أهمية دورهم في الملاحة والتجارة، وقد توقف النشاط البحري الصيني بعد الحملة السابعة مع عودة النشاط التجاري إلى طريق الحرير.
ولم تكد هذه المنطقة تتخلص من السيطرة الصينية على مياه الخليج العربي والمحيط الهندي والبحر الأحمر حتى شهدت بدايات القرن الخامس عشر رحلات الاستطلاع التي قام بها البرتغاليون تمهيدا لإرسال حملة بحرية بقيادة فاسكو دي غاما تسلحت فيها السفن بالمدافع والمتفجرات وكان أن شنت أولى غاراتها على السفن العربية في مياه بحر العرب وسواحل افريقيا فأحرقتها
وقامت بالسيطرة على عدد من المناطق وأهمها مدينة مسقط التي كانت تابعة آنذاك لسلطنة هرمز ثم قاموا بعد استسلام هرمز بإجبار الحكومة على دفع جزية سنوية والسماح بإقامة وكالة دائمة للبرتغال ومساعدة الأسطول البرتغالي على إخضاع الإمارات والدول التي تتمرد عليهم، وكان من النتائج الطبيعية أن يؤثر ذلك على التجارة العربية حيث ساهمت الممارسات البشعة لقواد الأسطول في تحريض سكان هرمز على القيام بثورة ضد البرتغاليين امتدت إلى باقي المناطق الأخرى،
وقد استمرت السيطرة البرتغالية على الملاحة البحرية طيلة القرن السادس عشر إلا أن الضعف أخذ يدب في القوة البحرية البرتغالية ومما ساهم في تراجع نفوذهم في تلك المنطقة تحالف الإيرانيين مع الانجليز، فبدأ وصول الأوروبيين إلى المنطقة يخلق منافسة قوية على الطرق الملاحية البحرية انتهت بتوجيه ضربة انجليزية هولندية أنهت السيطرة البرتغالية على تلك المنطقة التي استمرت أكثر من قرن وربع القرن من الزمن .
لقد كان لقيام الدولة الصفوية في إيران في مطلع القرن السادس عشر أثره في تطلع إيران لفرض سيطرتها على هرمز، وعندما برزت قوة الدولة العثمانية تحالف الإيرانيين مع البرتغال ضد العثمانيين الذين أتاحت لهم سيطرتهم على مصر نقل أساطيلهم إلى البحر الأحمر وإجبار البرتغاليين على مغادرة البحر،
إلا أن الصراع الذي نشب بين الإيرانيين والعثمانيين ساعد البرتغاليين على رفع علمهم على ميناءي البصرة وعبدان، وبعد توقيع معاهدة إنهاء الحرب بينهما شرعت تركيا في بناء أسطول بحري حربي في حين استعانت الدولة الصفوية بشركة الهند الشرقية الانجليزية في تصدير منتجاتها من الحرير إلى أوروبا مباشرة .
وقد أدى التطور في العلاقات الانجليزية مع العثمانيين إلى تأزم العلاقات الإيرانية الانجليزية لاسيما أن التفاهم الإيراني البرتغالي أدى إلى وضع الأسطول الهولندي تحت تصرف الإيرانيين وقد ساعد ذلك الإيرانيين في السيطرة على عمان وبسبب التحالفات التي كانت تتبدل حسب المصالح والقوى عاد التفاهم الانجليزي الإيراني من جديد وكان من نتائجه محالات استعادة جزيرة خرج العربية من حكامها العرب إلا أن ذلك لم يتحقق إلا بعد تقدم الجيوش العثمانية باتجاه الأهواز بدعم من الأسطول الانجليزي .
ساهم الدور الانجليزي في تعزيز نفوذهم في البصرة وخرج والكويت وفي تأجيج الخلافات بين الدول والقبائل حتى استطاعت أن تقوض النفوذ التركي في منطقة الخليج العربي وعمان وبعد أن أنهت الوجود التركي في البصرة تقدمت قواتها حتى سيطرت على بغداد عام1914 وفي تلك الفترة بدأ الانجليز عمليات التنقيب عن النفط في المنطقة، بعد أن احتلوا جنوب إيران
وعلى أثر اكتشاف النفط أنشأوا ثلاث شركات نفط وقد أحكمت بريطانيا في تلك الفترة قبضتها على الخليج وساحل شبه الجزيرة العربية وحصلت شركة النفط الأنجلو فارسية على امتياز النفط في ثلاثة أرباع إيران.
أدى تراجع النفوذ البرتغالي في الخليج العربي إلى اشتداد الصراع بينهم وبين الهولنديين فقامت حربان بينهما، ولما ظهر الفرنسيون في المنطقة بدأ الصراع بينهم وبين الفرنسيين وبعد توقيع اتفاقية بين حاكم عمان والروس لإنشاء سكة حديد تمتد من مسقط إلى ميناء طرابلس في لبنان تنبه البريطانيون إلى الخطر الروسي
كما دخلت ألمانيا كمنافس قوي للروس مما أدى إلى ارتياح البريطانيين الذين عملوا على إفشال المشروعين من خلال توقيع معاهدة مع الكويت على عدم منح الأوربيين أي امتياز دون موافقتهم وقد كان قيام الحرب العالمية الثانية ذريعة للبريطانيين لاحتلال الساحل الشرقي للخليج العربي وجنوب إيران .
والواضح من فصول الكتاب أن الباحث لا يستعمل المنهج التاريخي في دراسته لتاريخ الخليج العربي فهو يخصص فصول الكتاب للحديث عن تدخل كل دولة أوروبية على حدة الأمر الذي يؤدي إلى تكرار بعض المعلومات التاريخية المقدمة سابقا، كما يؤدي إلى تداخل في الأزمنة
وهذا ما نلاحظه في عودة الباحث للحديث عن النفوذ الهولندي في الخليج العربي إذ يعود لمرحلة سقوط القسطنطينية ونشوء القوة البحرية الهولندية ومثلها الاسبانية وبذلك يكرر الحديث عن العديد من الأحداث التي سبق الحديث عنها، ويفعل الشيء نفسه عند تناول النفوذ الفرنسي والروسي حتى يصل إلى الحديث عن مسارات التدخل الأميركي في المنطقة فيشير إلى انخراط التجار الأميركيين في العقود الأخيرة من القرن الثامن عشر في تجارة الأفيون المربحة كثيرا.
وقد دفع التوسع التجاري أميركا إلى بناء أسطول حربي اتخذوا له منطقة البحر الأبيض المتوسط مجالا للتواجد بهدف التحكم في تجارة هذا البحر كما ان التجارة إلى المحيط الهندي والصين تتطلب تأمين المرور عبر المتوسط وبحر العرب ولتحقيق تلك الغاية عمدت السفن الأميركية إلى رفع أعلام دول ربطتها صداقة بدول شمالي إفريقيا
كما قامت عام 1815 بتدمير الأسطول الجزائري وفرض أتاوات وغرامات باهظة، وإلى جانب تجارة الأفيون برع الأميركيون في تجارة الرقيق، وقد رافق الانتشار الأميركي حملات تبشيرية من أجل ترسيخ قواعدهم في المنطقة ولم يكن ذلك بعيدا عن محاولة المشاركة في استثمار النفط حيث نجحوا في نهاية العشرينيات من القرن الماضي في إدخال الرأسمال الأميركي في رأس مال شركة البترول التركية
ومما ساهم في تغلغلهم في الجزيرة العربية قيام شركات أميركية غير منظمة بعقد اتفاقية الخط الأحمر لتقديم القروض إلى ملك السعودية آنذاك مقابل الحصول على مواقع امتياز لها وفي عام 1939 استطاع الأميركيون اكتشاف أول حقل للنفط في السعودية ما دفع بالملك إلى توقيع اتفاقية مع شركة أميركية تجاوزت رقعة الامتياز فيها مليون كيلو متر مربع
ثم أخذت الامتيازات الأميركية للتنقيب عن النفط تتوالى في مناطق الخليج بدءا من البحرين ثم الكويت وقد عمل الأميركيون أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها على تقاسم السيطرة على المنطقة مع الانجليز، إلا أن لقاء الملك السعودي مع الرئيس الأميركي روزفلت عام 1945 أخرج بريطانيا من السعودية .
إن التحول الكبير في العلاقة الأميركية الخليجية ظهر بعد إسقاط حكومة مصدق في إيران لأن أميركا استطاعت أن تسقط كل الحدود التي كانت تقف في وجه نفوذها ومصالحها النفطية بصورة خاصة في تلك المنطقة وعلى الرغم من ذلك يختصر الحديث عن هذا التغلغل الأميركي ويقفز أكثر من ربع قرن للحديث عن الاستراتيجية الأميركية في سبعينيات القرن الماضي،
ينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن حركات المقاومة العربية في الخليج ابتداء من المقاومة التي أبدوها ضد البرتغاليين واستطاعوا فيها تكبيد الأسطول البرتغالي خسائر كبيرة، ومروراً بقيام عرب رأس الخليج بمهاجمة الأسطول البرتغالي مرة أخرى وتكبيده خسائر فادحة وقد ساهمت تلك المعركة في انهيار الوجود البرتغالي في المنطقة لكن مع السيطرة الكاملة للانجليز على الخليج ضاقت سبل العيش على سكان الشارقة ورأس الخيمة ما دفعهم للإغارة على السفن الانجليزية والغربية في مياه الخليج .
لقد شهدت المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية اضطرابات وإضرابات عمالية كما قامت حركت قبائل في عمان ضد الانجليز مما اضطرهم إلى استخدام سلاحهم الجوي للتصدي للقبائل كما شهدت البحرين في منتصف الستينيات من القرن الماضي اضطرابات ومظاهرات ضد الاحتلال الانجليزي وكان للمقاومة العمانية تأثيرها في إلحاق الخسائر بالوجود البريطاني وفي مساعدة اليمنيين على الثورة ضدالانجليز.
وقد عملت الولايات المتحدة الأميركية على الاستفادة من تقلص النفوذ البريطاني في المنطقة من خلال مشروعها الذي عرف بمبدأ آيزنهاور أو سياسة ملء الفراغ وذلك عبر إقامة القواعد الجوية والبحرية.
بعد تلك المرحلة شهدت منطقة الخليج حروبا وأزمات تأتي الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثماني سنوات في مقدمة تلك الحروب حيث عملت أميركا على تزويد الطرفين بالسلاح من أجل استمرار الحرب المدمرة لإمكانيات البلدين الاقتصادية والعسكرية وإشغالهم عن الصراع مع إسرائيل وجاءت الحرب الأميركية على العراق بعد احتلال العراق للكويت لتدخل المنطقة في حالة من العجز والتوتر والصراع ثم كانت الحرب الأميركية الثانية ضد العراق واحتلاله لتدخل المنطقة كلها في مرحلة جديدة من الصراع والمشكلات وعدم الاستقرار.
أحلام سليمان
الكتاب : تاريخ الخليج العربي
الناشر : دار كنعان ـ دمشق 2005
الصفحات : 160 صفحة من القطع المتوسط