المؤلفة أستاذة للإعلام الاجتماعي والثقافي في جامعة دمشق منذ 1968 وعضو تحرير عدة مجلات متخصصة عربية وأجنبية، وناشطة في مجال حوار الأديان والاتصال الجماهيري وقضايا الحرية والديمقراطية، ولها مؤلفات عدة مثل الإعلام و النظم السياسية ـ تقنيات الإقناع في الإعلام الجماهيري ـ نحو بلاغة إعلامية معاصرة ـ علوم الاتصال و المجتمعات الرقمية.
تجتهد الدكتورة فريال مهنا في التصدي للفقه التقليدي والذي تصفه بصفات هجائية مثل الأكثري، والاستبدادي، والعضوض، والأبوي، وترمي إلى إحياء امرأة القرآن الكريم، وتخفيف وطأة الظلم الذي حاق بها من فقهاء التشدد، ضمن إطار القرآن والسنة الصحيحة، بادئة بتقديم فقه الكليات في القرآن، والذي يتوجه بعموم خطابه إلى الإنسان الذي يشمل الذكر و الأنثى،
من غير تفريق أو تفضيل، محذرة من استخدام سلاح «سد الذرائع لسد الشرائع» وتستغرب أن كتب الشرح والتفسير تتجاهل عصيان آدم مائلة إلى تحميل حواء الخطية الأولى مع أن الآيات واضحة في الخطيئة ادم وتكليفه. لكن الكاتبة من خلال الآيات التي تستشهد بها تنسى أولوية آدم بالتكليف وتعليمه الأسماء كلها والذي يلتبس فيه التكريم بالمسؤولية وهو ما لا يحسب لصالح أطروحتها.
وتمضي الكاتبة في تفسير «قصة القوامة» نافية تفضيل الرجل على المرآة قرآنياً، وتنعي على الفقه المتزمت تحويل آيتي القوامة والدرجة من مفهوم ينظم علاقة حميمية في إطار الزوجية إلى منظومة عنصرية استبدادية، و ترى أن آية الضرب هي آية ترخيص في حالة النشوز ومنع في حالات العودة إلى الطاعة لا أكثر.
وان آيات التفضيل الأخرى «المزعومة» مثل آيات الشهادة والإرث فيهما تفسيرات ومدونات، أكثرها يميل إلى اعتبار شهادة المرأتين مع الرجال في الأموال أما غير الأموال فمختلف فيها، وترى الباحثة انه لا يمكن تناول آية الإرث بمعزل عن آيات الوصية الأخرى. وأنهما جاءتا استجابة لسياق تاريخي معين.
وان الولاية تستحق بالفضل لا بالتغلب. وتنكر تعميم القوامة من البيت إلى الحياة أو بالذكورة والأنوثة، ولا تقنع برأي الفقه المستنير والقائل بأن القوامة تكليف لا تشريف فالقرآن يقول « بما فضل الله بعضهم على بعض» التي تنطبق على صاحب الفضل ذكراً أو أنثى.
ترى الباحثة أن المرويات التقليدية المهيمنة قررت للمرآة لباساً غير اللباس القرآني سمته «اللباس الشرعي» ودمجت بين الحجاب الذي هو ساتر أو حاجز بين مكانين وبين اللباس جلباباً أو نقاباً وتجد أن آية الحجاب كان غرضها الزمني وضع حد لمجتمع بدوي خشن تلقائي.
وتتفاءل بأن أغلبية الفقهاء تتجه نحو مشروعية كشف وجه المرآة انطلاقاً من أن النقاب لم يرد ذكره في القرآن وان النقاب ورد مرة واحدة في حديث «المرأة المحرمة» في معرض النهي فلم التعميم!. وتجد طرائف كثيرة في الفقه المتشدد يفتي احدها بجواز ترك المرأة عيناً واحدة من بدنها (لكي تبصر بها!) وترسم هذه المرويات صورة كاريكاتورية للمرأة المحجبة المتعثرة بثيابها!
وترى بأن هذا الفقه يجسد ضرباً من الوأد لا يقل إيلاماً من الوأد الجاهلي، فمن الصعوبة استخراج معنى تغطية الوجه من لفظة «إدناء» لأن المقاربة العقلية تفترض أن يكون الجلباب لباساً للجسد لا للرأس وان الخمر تضرب على الجيوب لا على الوجوه، كما أن أية التبرج لا تنهي عن التبرج بإطلاق بل تنهي عن تبرج الجاهلية الأولى. وتخلص إلى أن (لباس التقوى) والحشمة والوقار واحترام الذات هو الغاية.
خاصة أن اللباس قد يكون ذريعة للتحلل من قيم الاحتشام. جعلت هذه المرويات الحيض مرتكزاً لفكرة التلازم بين المرأة والنجاسة في تفسير خاطئ لآية اعتزال النساء في المحيض كما ربط هذا الفقه النساء بالكيد (في سورة يوسف) مع انه وصف نفسه (جل جلاله) بالكيد غير مرة و قرنها بالشيطان خالطاً بين شيطان الغيرة والشهوة أو المرض وبين المرأة
فالشيطان هو كل ما اشتط وزاد عن الأمر حتى لو كان تحجيباً، كما يستفيض الفقه المسيطر في الترويج لطاعة المرأة لزوجها إلى درجة العبودية وتوضيح حيثيات هذه الطاعة ومواصفاتها، والتجند لخدمة رغبات الزوج وتؤكد انه فقه «الضعيف والموضوع». وتجد ذروة الصراع بين الفقه الذكوري وحرية المرأة في حديث الإفك
والذي وجه إلى السيدة عائشة لكونها مفكرة وفقيهة وقائدة سياسية وأحب نساء النبي (ص) إليه وذلك لدفعها إلى الانكفاء والعزلة والتي أدت بها العكس لتجسيد نموذج امرأة النشاط العام المتناغمة مع كليات التنزيل بل تمضي الباحثة ابعد باستلهام عائشة «موقعة الجمل» للعمل على إرساء معارضة سياسية حقيقة داخل المجتمعات الإسلامية؟
وفي درسها لفقه الاختلاط تجد أن مجتمعات إسلامية تعزل عزلاً كاملاً بين الجنسين حتى بين المحارم! وتجد انه لامناص من خوض تجارب الاختلاط الصحي في مجتمع مزدحم متخلف حضارياً، وفي فقه الخلوة تحث على التخفيف من حساسية الفقهاء تجاه مسألة الخلوة
مدعمة ذلك بشواهد من السنة والى ضرورة تكريس الاختلاط العلني وتمييزه عن الخلوة بمعناها الجنسي. وتنبه إلى مغبة تحويل الخصائص الأنثوية إلى عقوبة إلهية كما في الخطاب التوراتي، وتحويل المرأة إلى هدف جنسي بحت.
الإشكالية المفتاح هي في ملك اليمين والتي أحجم الفقه المعاصر ـ الذي لا يزال فقه تفضيل وقوامة ـ عن التعامل مع آيات ملك اليمين والرق في ضوء التاريخ ومقتضياته، كأنهم يؤكدون على أزلية النظام العبودي، وما يزالون يستشهدون بآيات تحرير الرقاب وكأنها آيات تستوجب الاسترقاق!
كأن الفقه الذكوري خائف من أن يؤدي إلغاء أحكام ملك اليمين إلى إلغاء الأحكام الأخرى الحافة بالمرأة من دية و أحكام الميراث وأحكام الشهادة «المنقوصة» ـ والتي يحصرها بعض الفقهاء المستنيرين في الشهادات المالية، والتي تناقض كليات التنزيل التي تساوي بين الذكر والأنثى «إلا بالتقوى». والذي يتهم المرأة اتهامات بنقص جيني في عقل المرأة وإدراكها مع أن الله خلقها «في أحسن تقويم»؟
تناقش الباحثة عشرات القضايا الفقهية الإشكالية مثل ضرب المرأة الناشز وولاية الرجل «العنصرية»، ومفهوم الدرجة، وتعدد الزوجات الذي تفرد له بحثاً طويلاً وترى في آية التعدد ما يدعو إلى تجنب التعدد بشكل ضمني (ذلك أدنى إلا تعولوا) وتسخر من دعاوى الفقهاء بنزعة الرجل الجنسية الفحولية أو شدتها أو سرعتها، والقول بأحادية الميل الجنسي للمرأة؟.
المهم تجسيد معادل (الإصلاح والتقوى) المركزي في البيان القرآني وتدعو إلى إحداث اخترق فقهي معرفي إنساني لإحداث تغيير نوعي في الوعي الإسلامي الراكد. الدعوة الأساسية في الكتاب هي تحقيق مفهوم العدل القرآني.
كما تناقش قضايا مستجدة مثل إمامة المرأة التي لا تجد فيها ما يناقض كليات القرآن، والكود اللغوي الفقهي «المحنط». أكثر أبحاث الكتاب جدة هي علاقة المرأة بالمكان (الشارع وطريقة مشيها، المسجد) كما تسلط الضوء على علاقة المرأة بالفن،
والمرأة والنوع (وعيها بالهوية النسائية وادوار الجنسين)، المرأة والخلع، المرأة الأم والأمومة كجهاد، الزواج العرفي وزواج المسيار الذي تدعو المجتمع إلى تفهمه بدلاً من دفع الجيل الذي يتعرض للاستفزاز الجنسي على الفضائيات وفي الشارع، إلى العلاقات غير الشرعية.
بالرغم من الخطاب الحداثي، فإن الباحثة لا تنزلق إلى تقليد الغرب تقليداً أعمى فيما يخص رياض الأطفال ولا تجد بديلاً عن علاقة الطفل بأمه لمساً وشماً في السنوات الأولى، وتدعو إلى تحويل نفقات رياض الأطفال إلى الأمهات والمرضعات للحيلولة دون تعريض الأسرة و المجتمع لخسائر مركبة. كما تتحاشى مناقشة نصوص مغيبة مثل حديث الضلع الأعوج الذي يمر بتهميش ومن دون فحص.
أحمد عمر
*الكتاب: إسلام ..أم ملك يمين؟
*الناشر: دار الفكر ـ دمشق 2006
*الصفحات:488 صفحة من القطع الوسط