كتاب «الهوامل والشوامل» في الحقيقة كتابان لمؤلفين كبيرين أسئلة من «ابي حيان التوحيدي» سماها الهوامل وأجوبة من مسكوية سماها الشوامل .
ومعنى الهوامل الإبل السائمة يهملها صاحبها ويتركها ترعى، والشوامل الحيوانات التي تضبط الإبل الهوامل فتجمعها، وقد استعار أبوحيان التوحيدي كلمة الهوامل لأسئلته المبعثرة التي تنتظر الجواب، واستعمل مسكوية كلمة الشوامل، في الإجابات التي أجاب بها فضبطت هوامل أبي حيان.
أبوحيان التوحيدي هو علي بن محمد العباس التوحيدي الذي يعتبر من أعظم كتّاب النثر العربي، ولد في بغداد سنة 310هـ من أبوين فقيرين، إذا كان أبوه يبيع نوعاً من التمر يقال له «التوحيد» وجرياً على عادة الانتساب للمهن، فقد انتسب أبو حيان وأبوه من قبله لتلك المهنة.
وأبو حيان التوحيدي فيلسوف وعلاّمة وأستاذ في الكلام والنحو وإمام في الفقه، واستطاع أن يؤثر في معظم شخصيات عصره، فكان فيما كتبه صدى أمين لأحداث عصره وتياراته الفكرية والأدبية والاجتماعية، وظل علماً إلى أن توفي سنة 414 للهجرة في مدينة «شيراز» ودفن فيها.
أمّا ابن مسكويه «فهو أحمد بن محمد بن يعقوب المولود سنة 330 هجرية والمتوفى سنة 421هجرية» وقد عاش حياته كلها في ظل دولة بني بويه، التي بدأت سنة 320 هـ وانتهت سنة 447 ه، وكان أمراء هذه الدولة يتسابقون في تشجيع العلوم والآداب، محاكين بذلك الخلفاء العباسيين في العصر الذهبي للدولة العباسية، وكان «ابن مسكويه» أحد العلماء الذين عرفتهم هذه الدولة.
يدل كتاب «الهوامل» على أن أبا حيان شخصية فلسفية تستخلص الأسئلة من كل ما يقع أمامها، سواء أكانت المسائل خلقية أو اجتماعية أم لغوية أو اقتصادية أو نفسية، ففي كل ذلك يسأل، وكثيراَ ما تثير المسألة حولها، جمله مسائل فيسأل عنها أيضا.
كما يدل أن أسلوبه في أسئلته أسلوب أدبي فني رائع يمتاز حتى عن أسلوب «مسكوية» الفلسفي الذي يحوطه الغموض كما يدل على أن أبا حيان كثير الشكوى من الزمان والمكان، وشكا كثيراً لمسكويه، فقرعه مسكويه على شكواه إذ قال له: قرأت مسائلك التي سألتني أجوبتها، فشكوت فيها الزمان، واستبطأت بها الإخوان، فوجدتك تشكو الداء القديم والمرض العقيم، فانظر - حفظك الله - إلى كثرة الباكين حولك وتأس، أو إلى الصابرين معك وتسل، فلعمر أبيك - إنما تشكو إلى شاك، وتبكي على باك ففي كل حلق شجى، وفي كل عين قذى، وكل أحد يلتمس من أخيه مالا يجده أباً عنده،ولو كان حد الصديق ما رسمه الحكماء حين قالو: صديقك آخر هو أنت إلا أنه غيرك بالشخص.
كما يدل الكتاب على أن أبا حيان كان واسع الأفق متعدد النواحي وهو في ذلك أيضاً يفضل مسكويه، إذ كان أبو حيان فيلسوفاً مع الفلاسفة ومتكلماً مع المتكلمين ولغوياً مع اللغويين ومتصوفاً مع المتصوفة ونحو ذلك.
ويتسع أفقه حتى يشمل البحث في ذات الله وصفاته كما ورد في المسألة «16» وكان مسكويه أضيق منه أفقاً، كما كان أسوا منه تعبيراً، فليس له مجال كبير يجول فيه ويصول إلا في الفلسفة، ومن بديع أسئلة أبي حيان رقم 153 عن المسألة الواحدة يكون فيها حكمان من فقيهين أحدهما يحلها والآخر يحرمها ومن بديع الجواب أن المسألة الواحدة قد يختلف حكمها باختلاف الزمان والمكان والعادة ومصالح الناس.
فقد تكون المسألة حلالاً في زمان ومكان حراماً في غيرهما، كالذي روى أن أبا حنيفة أفتى بأن من غصب ثوباً صبغه بالأسود كان قد قلل من قيمته، بينما أفتى أبو يوسف بأن من صبغه صبغاً أسود فقد زاد من قيمته، والسبب في ذلك أن أبا حنيفة أفتى في زمان لم يتخذ فيه العباسيون السواد شعاراً لهم، وأفتى أبو يوسف في زمان أتخذ فيه السواد شعاراً.
وقد يسأل أبو حيان سؤالاً كان قد سئل إياه من طالب آخر، فيحيل السؤال على مسكويه، بعد أن يجيب هو بنفسه ليرى هل يجيب مسكويه نفس الإجابة، وقد سأل أبو حيان سائل: هل تخرج الشريعة عن مقتضى العقل، فإن لم تخرج فكيف يعلل ذبح الذبائح؟ وقد أجاب مسكويه: بأن من المحال أن تخرج الشريعة عن مقتضى العقل لأنها وضعت لمصلحة الناس فإن وجد ما يخالف العقل فذلك شيء ظاهري فقط.