تحتل عروسة المولد مكانة بارزة في الاحتفال بذكرى مولد الرسول (صلى الله عليه وسلم) في مصر، وتكاد تجمع الشواهد التاريخية أن «عروسة المولد » هذه مصرية خالصة، وهي كانت ولا تزال منذ حكم الفاطميين مصر (العصر الفاطمي) تصنع من السكر على هيئة حلوى وتجمل بالأصباغ، ويداها توضعان في خصرها وتزين بالأوراق الملونة والمراوح الملتصقة بظهرها.

في الذكرى الكريمة للرسول العظيم لا تجد محلا أو دكانا أو سوبر ماركت في مصر من شمالها إلى جنوبها، في الريف أو الحضر في الأحياء الشعبية أو الراقية في المدن الكبرى إلا ويتم عرض هذه العروس الجميلة بشتى الأشكال والألوان. ولكن قبل هذا أو ذاك وبغض النظر عن كون هذه العروس الجميلة يصنعها المصريون بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف أو أنها بدأت في العصر الفاطمي فإنها تمثل رسوخ محبة الرسول الاكرم في قلوب المصريين، وأنها تحتل موقعا لا يدانيه موقعا، ومحبته تشكل مدخلا قويا للاستحواذ والاستمالة لقلب أي مصري كونها جزء لا يتجزأ من تكوينه الإنساني والحضاري والثقافي الذي نشأ عليه وفيه.

ودليلا على ذلك ما يذكره المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي من أن نابليون بونابرت في حملته الشهيرة على مصر اهتم بإقامة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف سنة 1213هـ 1798م، من خلال إرسال نفقات الاحتفالات وقدرها 300 ريال فرنسي إلى منزل الشيخ البكري «نقيب الأشراف في مصر» بحي الأزبكية، وأُرسلت أيضا إليه الطبول الضخمة والقناديل.. وفي الليل أقيمت الألعاب النارية احتفالاً بالمناسبة، وعاود نابليون الاحتفال بها في العام التالي في محاولة منه لاستمالة قلوب المصريين، و التودد اليهم.

يقول الفنان التشكيلي والأستاذ بكلية التربية الفنية د.عبد الغني الشال صاحب كتاب «عروسة المولد» الصادر عام 1973 : يرجع الربط بين العروس والاحتفال إلى معتقد قديم، وهو «أن الله تعالى يخلق الإنسان ومعه القرين؛ فإذا كان ذكرا كانت قرينته أنثى، وإذا كانت أنثى كان قرينها ذكرا». وشكل العروس يؤكد جمالية المرأة، وفقا لما اشتهر في العصر الفاطمي، وقد استقى الفنان شكل العروس مما شاع في الشعر العربي من مواصفات الجمال المعهودة، ومن مثال ذلك:

طلع الحسن على جبينك شمساً

فوق ورد في وجنتيك أظلا

وكأن الجمال خاف على الورد

جفافا فمد بالشعر ظلا

فجمالها يصوره الشاعر من صورة الطبيعة الجميلة؛ فهي كالورد المتفتح قد غمرته الشمس، وخشي من أشعتها؛ فحجبها بخصلة من شعر حريري، والدارس للفنون الإسلامية يلاحظ ارتباط إنتاجياتها المتعددة، وتحفها وطرائفها النادرة. وهذا التوافق هو ما يكون الوحدة في الفن الإسلامي.. وجولة واحدة في متحف إسلامي تؤكد ذلك؛ فإبريق البرونز والمنجرة الجميلة والقناديل الزجاجية، كل ذلك به وحدة فنية رائقة.

وعروس المولد لا تنفصل من هذه الوحدة؛ لأنها من طبيعتها ومن بيئتها:

* الزخارف في عروس المولد تشير إلى الإسراف في الزخرف على النسيج وسقوف الجوامع والأطباق الزخرفية وغيرها.

- ألوان العروس تشير إلى الغنى اللوني في التراث الفني الإسلامي والأزياء الإسلامية المزركشة.

* مراوح العروس هي نفس المراوح التي كانت تلازم الولاة والحكام كما رسمها المصورون في الكتب.

* التطعيم في العروس بواسطة خامات مختلفة كي تزيد من بريقها هي نفس الطريقة المتبعة في تطعيم التحف الإسلامية.

* الزهور المنتشرة على زيها تشير إلى الزهور والورود التي يزخرف بها السجاد والنسيج والخزف الإسلامي.

مراحل صناعة العروسة

وتمر صناعة عروسة المولد بعدة مراحل أولها مرحلة عمل قوالب خشبية وتتم هذه المرحلة في ورش صغيرة قريبة من مصنع عروسة المولد ويتم صنع هذه القوالب حسب الاوزان التي يطلبها صاحب مصنع العرائس فهي تباع حسب وزنها من السكر.

وفي هذه المرحلة يتم تقطيع الاخشاب على شكل متوازي مستطيلات حسب حجم العروسة ثم يشقه إلى نصفين طولين متوازيين يرسم على احدهم شكل يمثل النصف الامامي للعروسة وعى الآخر شكل يمثل النصف الخل في لها ثم يتم صب السكر المعقود داخل القالب.

وثانيا مرحلة ربط القوالب ونقعها بالماء حيث يتم في هذه المرحلة ربط القوالب الخشبية مع بعضها بخيط من الكتان وتغمر بالماء حتى يتخلل الماء جميع مسامها ولا يلتصق بها السكر المعقود وحتى تنخفض درجة حرارة القالب فيساعد على سرعة تجمد السكر وبعد عملية النقع يتم نقل القوالب على لوح من الزنج وترص القوالب وطرفها المفتوح المفرغ لأعلى.

ثالثا مرحلة عقد السكر يتم وضع مقدار معين من السكر يتناسب مع مقدار معين من الماء في أناء نحاسي كبير على الموقد ثم يتم إضافة قطعة من الخميرة تتناسب مع كمية السكر المعقود ويضاف اليها ملح الليمون او عرق حلاوة وتضرب جيدا حتى يصبح لونها ابيض وتستخدم يد خشبية لتقليب السكر.

ورابعا مرحلة صب السكر المعقود في القوالب فيتم صب السكر المعقود في القوالب المرصوصة على قالب الزنك وتترك لمدة 10 دقائق حتى يتجمد السكر. وخامسا مرحلة فك القالب لإخراج العروسة. وسادسا مرحلة تزيين عروسة المولد وتنقسم هذه المرحلة إلى عدة مراحل هي تركيب الجيبونة، تركيب الفستان، المكياج، تركيب المراوح والورود.

حفاوة شعبية

الأحياء الشعبية في مصر مثل حي السيدة زينب وحي الجمالية وباب الشعرية والمطرية وشبرا والقلعة الأكثر احتفاء بهذه بعروس المولد حيث تلقى إقبالا هائلا من الطبقات الفقيرة والمتوسطة بما تدخله من بهجة على الصغار الذين يصرون على شرائها كما يتهادى بها العرسان والعشاق بعضهم البعض في هذه المناسبة الكريمة.

محمد الحمامصي