حياة

تسريحة الشعر.. فن شعبي وثقافة عالمية

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت لبعض النساء ضفائر تصل إلى حدود الركبتين في حين كان بعضهن يعقصن شعرهن على هيئة كعكة كبيرة خلف الرأس تسمى «شنيون» وقد كانت هناك إلى جانب هذه التسريحة تسريحة «فينوس» التي كانت تشمل جدائل سميكة يتم تجميدها بماء الذهب الذي كان يبدو وكأنه ينبعث من الرأس !

الشَّعْر الطويل للمرأة الجميلة.. هذا ليس إقراراً أخيراً بطبيعة الحال، فمناطق الجمال كثيرةٌ في المرأة ومناطق الجاذبية أكثر في المرأة والرجل معاً. لكن للشَّعْر حكايته الخاصة من بين هذه المناطق على المستوى الشعبي والفني والثقافي والتاريخي في حياة الشعوب، ويكاد يكون الأبرز في «تشكيل» جماليات الجنسين لاسيما المرأة التي تتباهى بشعرها الطويل، المسترسل، الناعم، وطريقة تزيينه وتسريحه منذ القدم وحتى اليوم، مما أدى إلى ظهور صرعات وموضات وثقافات كثيرة اقتحمت عالم المرأة من أوسع أبوابه، بالشكل الذي صار هاجساً لها أمام تقنيات الحداثة الجديدة في ثقافة التزيين والترجيل.العناية بالشعر وترجيله قد تخفي عيوباً كثيرة في وجه المرأة على وجه الخصوص وقد تُبرز جماليات ثانوية كانت في حكم المضمرة ولهذا فتسريحة الشعر تقوم على أساس جمالي فني يعكس ثقافات المجتمعات وفنونها..

ولكي نبتعد عما هو جاهز في المعرفة الأولية لتزيين الشعر وتصفيفه ونخرج من إطار الجماليات المباشر، يستوجب أن نستقدم التاريخ البعيد لمعاينة المرأة والرجل معاً في ثقافة الزينة كجماليات فنية ومدى اقترابها من ثقافة مجتمعاتها وانعكاسها على سلوكياتها المختلفة. تاريخ الضفيرة يمكن القول إن الضفيرة شكلٌ عربي خالص! شكلٌ قروي ريفي وليس مدينياً، فنساء القرى والأرياف في المناطق العربية وحتى نساء الصحراء اللواتي ابتعدن عن التمدن والتحضر لفترات طويلة هنّ مبتكرات موضة الضفائر بامتياز حتى لو كان ذلك بالفطرة، فالظرف الاجتماعي اليومي يحتّم على المرأة القروية أن تكون في ميدان الحياة بشكله المتواصل؛ فهي حالبة الأبقار وغاسلة الصحون وطابخة الطعام ومربية الأطفال وامرأة الحقل والمزرعة وممرضة البيت .

وهي الزوجة التي تنجب الأطفال، ولهذا فالعربية في هذه المناطق تميل إلى أن تعقص شعرها وتلمّه وليس هناك أفضل من أن يكون على شكل ضفيرة طويلة تتدلى كذيل الحصان ولا يتبعثر لإرباك عملها اليومي ولو تم تأمل ضفيرة المرأة العربية الريفية لوجدنا أنها تُعمل بطريقة هندسية بدائية تعتمد تعاقب لفائف الخصلات وطيّها في شبكة ثنائية محكمة حتى النهاية تنم عن ذوق في التعامل مع لفائف الشّعْر، كي لا يعيقها عملها أولاً وكي تكشف مفاتن وجهها من جهة ثانية.وهذا يُعد في فن الهوى والحب ذكاء فطرياً وشفرة مميزة لاستقدام عيني الرجل..فخرجت الفكرة من المفهوم التلقائي إلى المضمر النفسي الإجتماعي العاطفي! ومنذ عصور بعيدة عمدت المرأة العربية على العناية بشعرها وعدّته بوابتها الشخصية لإبراز مفاتنها فهو الجمالي البارز والصاعق في حلقة الجماليات الأنثوية الكثيرة، وكشف لنا الشعر العربي في العصر الجاهلي تغني بعض الشعراء في وصف ضفائر حبيباتهم كامرؤ القيس الذي قال:

غَدَائِرُهُ مُسْتَشْزِرَاتٌ إلى العُلا

تَضِلُّ العِقَاصُ في مُثَنَّيً وَمُرْسَلِ

وهذه الصورة الوصفية تنبئ عن طريقة تسريح الشعر وتصفيفه لدى المرأة في الجاهلية كما تكشف أن امرأة العصر ذاك حاسرة الرأس، وربما كان هذا شائعاً في ذلك الوقت وهو ما أدركه شاعر حساس مثل امرؤ القيس واستهواه فقال فيه شعراً.

الشعر المستعار

تأمُّل موضة التسريحات على مر العصور ثقافة واسعة وفن شعبي اكتسب عناصره من محترفات ومحترفين في فن التزيين منذ قدم التاريخ، وما عادت الفطرة وحدها تشكل جمال المرأة عبر تسريحتها، إذ كان المصريون القدماء يستخدمون شَعراً مستعاراً يتكون من خصلات لولبية في قاعدة من النسيج المحبوك وتصنع من الشعر البشري أو من ألياف ورق النخل أو الصوف لتخفيف الشعور بالحرارة وبغرض تطويله أو الإيحاء بذلك.

وفي بلاد الإغريق وروما القديمة كان الناس يرتدون أطواقاً ضيقة تسمى «عصّابة» حول رؤوسهم لتثبيت الشعر. كما أن الخاصّة من الرجال كانوا يجعدون شعورهم في خصل لولبية ويزينونها بمسحوق الذهب. أما النساء فكن يضفرن شعرهن ويجعدنه ويعقصنه في تسريحات مبهرجة، والكثيرات منهن كن يصبغنه بلون أصفر مائل إلى البني أو الرصاصي. وكان الجرمانيون الأوائل من الانكليز والسكسون يعمدون إلى صبغ الشعر باللون الأزرق أو الأخضر أو البرتقالي. بينما كان الغاليون القدماء، الذين سكنوا فرنسا يصبغون شعرهم باللون الأحمر.

تسريحات من ذهب

في العصور الأحدث وفي أوروبا مثلاً تفننت النساء في تسريحات الشعر إبان عصر النهضة الذي بدأ في إيطاليا في حوالي عام 1300 وانتشر في بقية أنحاء أوروبا في خلال القرنين الخامس والسادس عشر.

في الحرب الأهلية في إنجلترا (1642 ـ 1649) كان التطهيريون هم ألدّ خصوم الملك تشارلز الأول وقد أطلق عليهم اسم «ذوو الرؤوس المستديرة» لأنهم كانوا يقصّرون شعرهم ويقصّونه بحيث يكون مستديرًا وقريبًا من الرأس. وقد ميّزتهم هذه القَصَّةُ القصيرةُ عن أعوان الملك، وهم فئة أطلق عليها اسم «الفرسان» كانوا يبقون شعرهم طويلاً.

وفي القرن السابع عشر كان معظم الرجال في أوروبا يتركون شعرهم طويلاً وهو متموج وكان كثير منهم يبقي خصلة أكثر طولاً وتجعداً من بقية شعره على جانب الرأس ويطلق عليها اسم «خصلة الحب» ويربطها بشريط أما في فرنسا فقد شاع استعمال الشعر المستعار وهو طراز بدأه الملك لويس الثالث عشر بعد أن فقد شعره. وكان الكثيرون من الرجال يرتدون شعراً مستعاراً كثيفاً مكوناً من خصلات مجعّدة تسمّى الباروكات وخلال تلك الفترة، كانت النساء يكوِّمْن شعرهن فوق رؤوسهن.

لكن بعضهن كُنَّ يصفِّفْنه خصلات تنزل حتى مستوى الكتفين. وقد شاع هذا الطراز حتى منتصف القرن السابع عشر. وابتداء من منتصف القرن الثامن عشر شاعت بين النساء تسريحة شاهقة العلو مسندة بإطار من الأسلاك تُزيّن بالزهور أو الجواهر أو الزخارف والحلي وكنّ يسندنه بوسادة صغيرة وإطارات من الأسلاك ! وكان العديد من هذه التسريحات يرتفع مسافة تفوق 60 سم ويتم تزيينها بالزهور الحية لتوحي بالشاعرية. كما كنّ ينثرن على شعرهن مسحوقًا أبيض اللون ويُزينهنه بالريش والجواهر وكن يمتنعن أحيانًا عن غسل الشعر لأسابيع عديدة نظرًا لأن تلك التسريحات كانت شديدة التعقيد!

أما الرجال فكانوا يغطون رؤوسهم بشعر مستعار ينثرون عليه الذرور وكان هنالك طراز يسمّى الشعر المستعار المربوط يُشدُّ فيه الشعر إلى الخلف ويربط بشريط قصير.وفي القرن التاسع عشر ابتدع الأميركي تشارلز دانا جيبسون تسريحة «جيبسون جيرل» وهي تسريحة ناعمة الملمس، وفي هذا القرن أصبحت تسريحات الشعر أكثر بساطة وشاعت بين النساء تسريحات تشمل الضفائر والذؤابات في أعلى الرأس والخصلات الملتفة الكثيفة من الشعر التي تنسدل على الأذنين أو على مؤخرة العنق.

كما شاعت في أربعينيات القرن التاسع عشر خصلات الشعر الناعمة الطويلة التي تُصفف في صورة النقانق. وفي السبعينيات منه اخترع مزين الشعر الفرنسي مارسيل جراتو «تجعيدات مارسيل» وهي تجعيدات ثخينة ناعمة يتم تصفيفها بملاقط محمّاة. وفي تسعينيات القرن انتشرت بين النساء الأميركيات تسريحة عالية كهرم أما الرجال فكانوا يُقَصِّرون شعرهم في القرن التاسع عشر، ويدهنونه بزيت الشعر خصوصًا زيت ماكاسر.

قرن التجاعيد

في القرن العشرين ابتدع المزيِّنون أساليب جديدة لتجعيد الشعر. ففي عام 1905 ابتدع المزين الألماني الأصل تشارلز نيسلر موضة التجعيدة الدائمة باستعمال معجون البورق ثم يلفُّ الشعر على أدوات تجعيد محمّاة بالكهرباء. وكان تنفيذ هذا الطراز باهظ التكاليف ويستغرق اثنتي عشرة ساعة من الوقت ! لكن في ثلاثينيات القرن العشرين ابتُدِعت التجعيدات الباردة التي لا تتطلب تسخينًا وكانت رخيصة الكلفة وتستغرق نحو ساعتين لإنجازها. وفي أربعينيات القرن أخذت الكثيرات من النساء يقصصن شعرهن قصّات قصيرة أطلق عليها اسم «بوب» ويجعّدنه بالتجعيدات الدائمة.

بينما عمدت الكثيرات إلى تصفيف شعرهن على طراز كلب المراعي أو طراز فيرونيكا ليك، وهي نجمة من نجوم السينما الأميركية، إذ كان شعرها طويلاً يغطي إحدى عينيها. أما في خمسينيات القرن فقد شاع طراز التسريحات المنفوخة ولإضفاء الثخانة الضرورية على الشعر كانت النساء يسرحنه بطريقة معكوسة، أي من أطرافه حتى فروة الرأس فيما كان يُسمّى التمشيط المعاكس أو التنفيش. كما شاعت تسريحة البانك التي تتم فيها قولبة الشَّعْر بحيث يضم نتوءات حادة شائكة أو أنماطًا أخرى من الأشكال ويُلف ويُلوَّن أحيانًا بألوان غير مألوفة وغير طبيعية. وفي أوائل القرن العشرين إلى منتصفه أخذ الرجال يقصّرون شعرهم.

وفي العشرينيات أخذ الكثيرون من الشبان يجعلون شعرهم صقيلاً لامعًا كالجلد القاسي الصقيل، ويملِّسونه بالزيت على نسق طراز شعر الممثل الأميركي المعروف رودولف فالنتينو. وفي خمسينيات القرن كان بعض الرجال يقصُّون قَصَّةً تُسمى «كروكت» بحيث يكون الشعر قصيرًا جدًا ويسرَّح إلى الأعلى فيبدو كالفرشاة، بينما كان البعض الآخر يقص قصَّةَ » البطة» وفي هذه التسريحة يترك الشعر طويلاً من الجانبين بحيث يسحب إلى الخلف ويبدو كجناحي البطة.

وفي الستينات، أخذ الشباب يقلدون قَصة شعر فرقة الخنافس وهي فرقة بريطانية تعزف موسيقى صاخبة كان أفرادها يطيلون شعرهم ويطلقونه ليغطي الجبين.أما في أواخر السبعينيات شاعت فرقة أخرى من فرق الموسيقى الصاخبة عرفت باسم البانك. وكان أتباع هذه الفرقة يُصَفِّفون شعرهم بطرق خارجة عن المألوف، يعبّرون فيها عن تمردهم على التقاليد المتعارف عليها ويتميز طرازهم بتكوين نتوءات شائكة حادة في الشعر وباستخدام الصابون وبياض البيض أو الصمغ لِقَوْلَبَتها، وقد كانوا يُلَوِّنون الشعر بألوان بَّراقة.

تسريحات أفريقية

للأفريقيات تسريحات في غاية التعقيد لاسيما تشكيل الضفائر الناعمة المتراصفة على الرأس والتي تبدو كشبكة صيد صغيرة وبدأت تسريحات الشعر الإفريقية تحدث تأثيرها في أساليب تصفيف الشعر لدى السود في سبعينيات القرن العشرين، وأصبحت شوارع العديد من المدن الرئيسية في أوروبا وأميركا الشمالية مُمتَلئة بأولئك الذين يتركون شعرهم ينساب ضفائر طويلة شعثاء منفوشة، كما شاعت في الوقت نفسه تسريحات بضفائر مرتبة بعناية عرفت إحداها ب«صفوف الذرة» يُضْفر فيها الشعر أنساقًا مختلفة عبر فروة الرأس. ومن هذه التسريحات الإفريقية أنواع ترص فيها حبات الخرز أو زخارف أخرى في الشعر.

عصر الباروكات العربية

انتشر عصر الباروكات العربية كموضة مع دخول السينما وقيام الفنانات بارتدائها وتقليداً لشعر فنانات معينات كميرفت أمين ونادية لطفي وهالة فاخر وماجدة زكي ومنى زكي ومي عز الدين وهذه الأخيرة ظهرت مرتدية أكثر من باروكة في فيلمها «أيظن» وشاعت تسريحة الكاريه أكثر من غيرها وكان لجوء النساء لذلك نوعا من تغيير الشكل ومسايرتهن لنمط الملابس والإكسسوارات.

وكانت الباروكات التي تعمل عمل التسريحات الجاهزة على شكل أنواع منها البروكة الكاملة وهي التي تغطي الشعر الطبيعي وهناك «الإكستنشن» أو «مكملات الشعر» وهي التي تلتحم بالشعر الطبيعي وتكون مشابهة له، كما يوجد ذيل الحصان أو «البوستيج» وهي نصف باروكة تكون بلون الشعر الطبيعي وتضاف إليه لإعطائه طولا وهناك «الشاطورة» وهي جزء يوضع بين الشعر لإخفاء عيب ما أو لإظهار جمال في منطقة معينة.

وارد بدر السالم

Email