يعتبر الأديب السوري رفعت عطفة من المثقفين الذين يقومون بدور الدينامو الثقافي، فإلى جانب عمله بالترجمة يكتب القصة القصيرة والرواية والشعر، إضافة إلى تميزه بإدارة المركز الثقافي في مدينة مصياف السورية والمركز الثقافي السوري في إسبانيا.

ولد رفعت عطفة في مدينة مصياف ودرس الأدب الإسباني في مدريد، شغل منصب مدير المركز الثقافي العربي في مصياف منذ عام 1987 وحتى عام 2004، تم إيفاده بعد ذلك إلى إسبانيا لتأسيس المركز الثقافي السوري هناك، صدر له في القصة القصيرة مجموعة الرجل الذي لم يمت.

وفي الرواية صدر له رواية قربان، وله في الشعر ديوانان إغفاءات على حلم متكرر وقصائد الحب والأمل، ترجم الكثير عن اللغة الإسبانية ففي ترجماته نقرأ أسماء هامة مثل بابلو نيرودا، أغون وولف، غارثيا ماركيز، أنطونيو غالا، إيزابيل الليندي، رامون دل بالييه، لوركا، رينيه ماركس، مانويل روخاس سيبّولبيدا، ماريو بارغاس ليوسا وآخرين. بتواضعه المعهود استضافني بحديقة بيته الصغيرة وكان الحوار التالي:

الترجمة من وإلى الإسبانية، هل هي متوازنة من حيث الكم؟

هي غير متوازنة بالتأكيد، هناك كم هائل من الكتب المترجمة يصدر بالمئات في إسبانيا وبالآلاف في أميركا اللاتينية وهناك عدد محدود من المترجمين ربما لا يستطيع هذا العدد أن يغطي كل المنتج الفكري.

هل يمكن أن نقول انّ الترجمة إلى الإسبانية أكثر منها إلى العربية؟

لنقل انها أنشط، هي أنشط في الوقت الحاضر نظر إلى أن الأدب في أميركا اللاتينية يمر ـ منذ ما يسمى بمرحلة انفجار الرواية اللاتينية ـ بحالة من العطاء والنشاط الفكري ما أثر طرد على الترجمة.

عدد الكتب المترجمة إلى الإسبانية إثنان وأربعون ألف كتاب في العام بينما لا يتجاوز العدد إلى العربية ألفي كتاب، ما السبب في ذلك برأيك؟

السبب أن أوروبا انتقلت منذ ما يمكن أن نسميه عصر الأنوار من أمم لا تقرأ، إلى أمم قارئة وباحثة، بينما نحن انتقلنا بالمقابل من أمم قارئة إلى أمم تعتمد على الشفاهية، والعالم انتقل الآن إلى مرحلة ما بعد الورق المرحلة الإلكترونية، استطاع الغرب فيها أن يوازن ما بين هذين الخطين الورقي والإلكتروني.

المترجمون من العربية إلى الإسبانية هل هم عرب أم إسبان؟

هناك عرب ومن هم من أصل عربي مقيمون في إسبانيا، وهناك اسبان، لكن هذه الترجمات بقيت محدودة النسخ وبالتالي لا يمكن أن تغطي عددا كبيرا من قراء الاسبانية، ولايمكن أن تصنع السمعة للأدب العربي.

هل تزدهر الترجمة بازدهار مشروع سياسي؟

لا شيء يفصل عن السياسة، لكن هناك فرقا بين المشروع السياسي وبين السياسة، المشروع السياسي يعطي بعدا واحدا بينما السياسة المفتوحة تعطي أبعادا ، عندما أقول ان لا شيء يُفصل عن السياسة فأنا أقصد هنا سياسة الباب المفتوح وليست سياسة الأبواب المغلقة، نحن لدينا سياسة أبواب مغلقة وبالتالي الثقافة مغلقة والمعرفة مغلقة.

وبالتالي ما يظهر من تجارب هي حالات متفرقة تعتمد على الموهبة، فإذا كان لدينا كتاب عظام ليس السبب أن هناك خطا روائيا عربيا متماسكا أو هناك إضافات كبيرة من عدد من الروائيين، بل لأن الفنان أو الروائي يمتلك موهبة أول ويمتلك قلقا معرفيا. في الوقت الحاضر توجهت كثير من بلدان العالم نحو الديمقراطية وهي السياسة ذات الأبواب المفتوحة، هذه الديمقراطية أضافت الكثير على شعوبها أخرجتها من كثير من الحالات غير الإنسانية التخلفية، عندنا لم يحدث هذا الشيء حتى الآن.

ماذا أضافت لك اللّغة الإسبانية على الصعيد الفكري؟

هي أضافت من دون أدنى شك، أضافت إلى شخصيتي وأضافت إلى فكري وإلى طريقتي في التفكير، لكنني لا أستطيع أن أقول انها أضافت أكثر من العربية لأنني قارئ بالعربية والإسبانية، بالتأكيد هي تضيف فالكتاب الذي بين يدي الآن قد لا يصدر بالعربية حتى خمس سنوات، لكنني أستطيع أن أقرأه لأنه مترجم إلى الإسبانية.

أي من اللغتين العربية والإسبانية أقدر على العطاء واقدر على مواكبة العصر؟

في اللغة الإسبانية لا يوجد خلاف كبير بين لغة الكتابة ولغة الكلام، وبالتالي يمكنك أن تضمن في الرواية مثل كل ما يقال في الشارع أو في العمل، في اللغة العربية لا يوجد ذلك.

التطوير في اللغة العربية حدث عن طريق الترجمة وبشكل خاص في العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية إلا أن هذا التطوير كان قاصرا لأن من خرج ليدرس اللغة خرج بلغة عربية ضعيفة لذلك عادوا بالمصطلحات نفسها أي أنهم لم يتعبوا أنفسهم بالاجتهاد لإيجاد المقابل الموازي في اللغة العربية .

ومن ثم تعميمه، هذا جعل العربية قاصرة أكثر من الإسبانية لأنه في الوقت الذي يصدر عمل مهم في أوروبا ينتقل مباشرة إلى إسبانيا، ثم هناك الأكاديميات اللغوية التي تلاحق الصحافة يوميا وتستخرج منها كل مصطلح جديد وتدرس مدى صلاحية هذا المصطلح أو عدم صلاحيته، بينما مجامع اللغة العربية لدينا بالكاد تغطي ما ظهر منذ خمس عشرة سنة، بعد أن يكون المصطلح قد دخل اللغة ولم يعد هناك من إمكانية لتغييره.

من يعطي القيمة للغة القوة السياسية أم القوة الفكرية؟

حركة المجتمع، القوة السياسية جزءا وليست كلا، مثل اللغة الفرنسية انحسر دورها عما كانت عليه، ما السبب؟ السبب أن اللغة الفرنسية بعد الوجودية لم تنتج فكرا، ولم تنتج رواية أو شعرا بقدر ما كانت تنتج في الماضي، متحدثو الفرنسية هم أنفسهم إلا أنهم ليسوا الأساس، الأساس ما تنتجه اللغة لأنه يترجم، الترجمات عن الفرنسية اليوم قليلة لأنه لم يعد هناك ذلك الألق الذي كان موجوداً حتى بداية السبعينات.

أنت تكتب الرواية والقصة القصيرة والشعر إضافة للترجمة، كيف ومتى تحدد الجنس الأدبي لما ستنتجه؟

في روايتي قربان بدأتها كرواية، لكنني كتبتها بحيث يمكنك أن تقرأ كل فصل وكأنه قصة قصيرة قائمة بذاتها، لكن هناك خيطا يجمع كل الفصول هو بطل الرواية والمكان، أنا احدد منذ البداية ما سأكتبه، عندما أكتب القصة أكون محددا مسبقا أن ما سأكتبه هو قصة.

أنت كتبت الشعر، الا يحتاج الشعر أو حتى الرواية للتفرغ الكامل للإحاطة بتقنيات هذا الجنس الأدبي أو ذاك؟

ليس بالضرورة أن يكون الكاتب المتفرغ أهم من الكاتب الذي يتناول أكثر من جنس أدبي، ربما يكون هناك كاتب متفرغ ويجبر نفسه على الكتابة، وهناك كاتب يكتب نوعا محددا ويحس بحاجة داخله للكتابة بنوع آخر.

هل تَرجَمتَ أعمالك إلى الإسبانية؟ أو هل ترجم لك الإسبان أعمالك؟

ترجم الإسبان لي بعض الأعمال، ديوانا الشعر اللذان صدرا لي صدرا بالعربية والإسبانية معاً أي وجه بالعربية ووجه بالإسبانية، أم بالنسبة للقصة القصيرة فقد ترجم لي ثلاث أو أربع قصص.

هل تتمتع الرواية العربية بشخصية معينة؟ هل يمكن أن نقول الرواية السورية أو العراقية أو اللبنانية أو الرواية العربية؟ أم أن هذه الشخصية لم تكتمل ملامحها بعد، مقارنة بغيرها من التجارب مثل الرواية اللاتينية؟

أعتقد أن هناك رواية عربية مهمة، وإذا لم تأخذ أبعادها كثيرا على الساحة العربية فلأن قراء الرواية عندنا قليلون، لكن نحن لدينا كتاب مهمون وتجارب مهمة، مثل الأيام لطه حسين معلم مهم من معالم الثقافة العربية، روايات نجيب محفوظ المصبوغة بالواقعية، وقد أصبح هناك تطور هائل بهذا الاتجاه فأنت تنتقل من الأيام إلى مدن الملح لعبدالرحمن منيف إلى وليمة لأعشاب البحر لحيدر حيدر، إلى زهرة الصندل لوليد إخلاصي، وهناك روايات حنا مينة، وهناك كاتب آخر لم يأخذ حقه هاني الراهب، لكن السؤال هل الجامعة العربية بمعنى المؤسسة التعليمية تنتج قراء أم تنتج حصّاد وظائف.

هل تستطيع الثقافة في الوقت الحاضر عندنا أن تتلمس طريقها بعيدا عن الفوضى في ظل غياب المشاريع الفكرية؟

واقعنا معقد جدا، إذا لم نستطع أن نؤسس لخط ديمقراطي يدخل فيه المجتمع بحوار على المستوى الاجتماعي، وعلى كافة المستويات حتى على مستوى النظافة، إذا لم نستطع أن نبدأ بهكذا برنامج فمن الصعب جد باعتقادي أن نخرج من هذه الحالة.

نحن بدأنا نفقد هويتنا، ما نحتاجه اليوم هو حضور التعددية بكل أبعادها ما عدا ذلك نحتاج إلى معجزات.

أصدقاؤك الأدباء والفنانون ـ وكان آخر الراحلين منهم الشاعر علي الجندي ـ ماذا تذكر من تلك الصداقات؟ وماذا أثر غياب البعض؟

علي الجندي قامة شعرية حقيقية في الشعر العربي، أدرك عمرا وواقعا صحيا جعله يقول ـ باعتقادي ـ آن آوان الرحيل، لكن هناك كتابا مثل ممدوح عدوان، سعد الله ونوس، أحمد سليمان معروف، سليمان سليمان ماتوا قبل أن يكملوا مشاريعهم، أعتقد أن ممدوح عدوان وسعد الله ونوس كان لديهما الكثير ليفعلاه لو لم يقطع عليهما الموت الطريق، يحزنني جدا غيابهما، وأذكر جميع تلك الصداقات ممن ذهب أصحابها أو بقوا.

أنت حاليا تترجم رواية بعنوان نعيمة لكاتبة من أصل سوري، هلا اعطيتنا فكرة عنها.

تتناول الرواية حركة الهجرة من سوريا منذ بداية العقد الثاني من القرن العشرين من خلال شخصية نعيمة وشخصية زوجها الذي كان مهاجرا في تشيلي، وعاد برأسمال يريد أن يستثمره في سوريا، ويتعرف على الصراع السياسي القائم آنذاك، ثم يقرر العودة إلى تشيلي بعد أن يكون قد خطب نعيمة، لذلك فالرواية عنوانها (نعيمة حياة أمنيات طويلة) لكاتبتها إيدت شاهين.

عطفة في سطور

ولد رفعت عطفة في مدينة مصياف على الساحل السوري عام 1947. درس الابتدائية والإعدادية والثانوية في مصياف حتى عام 1967. حصل على منحة لدراسة الدبلوم في الأدب الإسباني منذ عام 1968 وحتى 1974 حيث حصل على الماجستير، عمل في وزارة الثقافة السورية، وكان مديرا للمركز الثقافي السوري في مدريد.

علي عبدو