سلطانات الرمل

سلطانات الرمل

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تستعيد لينا الهويان الحسن في روايتها «سلطانات الرمل» وقائع ومعارك جرت أحداثها بين القبائل المتصارعة في البادية السورية، تتابع رحيل القبيلة منذ أقدم الأزمنة التي عرفها العرب، فتبدأ من رحيلها الأول من السعودية إلى وادي الفرات، ومن ثم توزعها على الخارطة السورية في بلاد الشام.

وتتابع في رحلتها قصص الحروب والأيام التي لها مع القبائل الأخرى، بغية انتزاع الكلأ والماء من فم السبع، بحيث لا تبقى إلا القبيلة الأقوى، أما الضعفاء فغالباً ما يلتجؤون إلى تخوم الصحراء.والكاتبة لا تكتفي بأيام العرب وصولاتهم وجولاتهم، ولكنها تقصّ علينا قصص الحب والعشق والحرمان من نساء اكتوين بنارها وعشناها فكانت قصصاً تذروها حبات الرمل لتذهب مع النسيان. ومع هذه القصص تقدّم الكاتبة الأساطير والخرافات والتقاليد الشعبية إلى جانب ذاكرة غريزية لا تنضب عن كل حياة البدو ومعتقداتهم وما يؤمنون به وما يتهيبون منه، في السلم والحرب، في الحزن والفرح، في الضحك والبكاء، في الليل والنهار.

إنها قصة عشق حميمة تكملها البنت عن أمها التي ماتت بداء غريب، وهكذا تمضي الحكاية «فالحياة تحدث في صحراء مبسوطة مثل قماشة حرير ذهبي يفردها تاجر أمام امرأة ثرية».

تحدّثت الكاتبة عن قصة «حمرا» ابنة شيخ عشيرة «طي»، كيف عشقت أحمد بيك الأبوريشة، أمير قبيلة «الموالي» وهو واحد من أشهر محاربي الصحراء في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والذي كان يتقاضى مبلغاً سنوياً من والي «حلب» لقاء حمايته قراها من طغيان العشائر الأخرى.

بعد سنوات قليلة ماتت «حمرا» بداء غامض، وبلهفة سرى خبر موتها بين العشائر، لم يبكوها، لكن فجعوا وصمتوا، وكانت «حمرا» قد أنجبت بنتاً صقيلة وبيضاء، لذلك سمّوها «مراية».

ثم تخبرنا قصة «مراية» ابنة «حمرا الموت» مدللة أبيها وأشقائها زفت لعقيد حرب قبيلتها «رديني أبو الدندل». وثمة همس خافت يدور على الألسنة بأن «مراية» عشقت «جدعان» شيخ عشيرة من عشائر «العنزة» التي تستوطن الديرة الشامية.

عقب ذلك نشبت مشادة بين «رديني» و«مراية» خوّنها فيها وصارحها بما تتناقله ألسنة الناس عن غرامها بجدعان. لم تقبل الإهانة وعادت إلى ذويها، وطلبت في الحال أن يطلقها «رديني»، وأرسلت فوراً إلى «جدعان» ليتقدم إليها وكان لها ما أرادت. وزفت إلى «جدعان».

تتحدث الكاتبة عن طقوس الغزو، فالقبيلة الأخرى ترسل «السوابير» الكشافة، وعلى أساسها يقرر عقيد الحرب الغزو فيقسم الجماعة إلى قسمين: «الغوّار» وتكون مهمته السطو على الماشية بعد تجفيلها عمداً و«الكمين» ويشارك فيه أبرع الرماة وأكثرهم جسارة، إنه يشاغلهم حتى يضمن أن الماشية ابتعدت عن تخوم القبيلة.

وتكون قد وصلت إلى فريق «الهجانة» الذي تكون مهمته إيصالها بسلام ودون توقف إلى أهلهم، وخلال الغزو يتصايح المتعاركون بنخواتهم وتعلو الصيحات.ثم تحدثنا عن القضاء البدوي، فقد تدخل الباشا والمفتي وأشهر قضاة البدو وشيوخهم لتتم محاكمة القاتل في منزل شيخ عشيرة كبيرة، جرت المحاكمة، وأنهت المحاكمة «مراية» بسرعة، فقد حملت مسدساً لزوجها ودخلت الربعة، وأطلقت النار على قاتل أخيها وأردته قتيلاً.

القصة تجر القصة، وعلى خلفيتها تبرع الكاتبة في رسم صورة الصحراء والكلاب والصقور وأنواعها والغزلان والغجر والكمأة والذئاب والأفاعي، والتبغ والفراء وصراع الفرنسيين مع قبائل البدو ومحاولته إبادتهم، وقصة الزير سالم، وعن فتاة العطفة تخبرنا الكاتبة «ينتقون أجمل فتاة لديهم وأعرقهن نسباً تحمل في هودج على ناقة بيضاء، يصطحبونها إلى الحرب، يسميها البدو «بالعطفة» وهي تحرض على القتال وتستنفرهم وتستثير نخوتهم، تمتدح الشجعان وتفرع المتخاذلين.

وفي الحروب الدامية كثيراً ما كان هودجها يتحول إلى مذبح تموت حوله الرجال، لأنه في حال انهزم قومها تصبح من حق القبيلة المنتصرة، وهذه عادة ما يتزوجها شيخ العشيرة المنتصرة أو أحد أبنائه».

«سلطانات الرمل» أول رواية تتحدث عن نساء بدويات أحببن ومتن عشقاً، على خلفية أحداث تؤرخ لهن وتاريخ الصحراء بما فيها من بشر وحيوان وعادات وتقاليد، بعضها حقيقة وبعضها وهم وخرافة، لكنها في النهاية تاريخ بشر يسكنون الصحراء.

الخيول الأصيلة

يجد القارئ أن الكاتبة لينا هويان الحسن معجبة بالخيول ومتتبعة لأنسابها، تعرف الأصيلة من غيرها، طعامها ومرضها، سرعتها وتمردها وتهجيرها إلى بومباي في الهند، تستطيع أن تقول إن الفرس الأصلية كالمرأة السلطانة في الصحراء، هي بحاجة إلى راعٍ جيد وإلا فإنها تموت.

الكتاب: سلطانات الرمل رواية

تأليف: لينا هويان الحسن

الناشر: دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع عمان 2009

الصفحات: 324 صفحة

القطع: المتوسط

فيصل خرتش

Email